يعد الاقتصاد الأزرق أحد الرهانات الاستراتيجية للمغرب في سبيل تحقيق تنمية مستدامة ومستقبل اقتصادي واعد. فبفضل موقعه الجغرافي المتميز، الممتد على أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، يمتلك المغرب إمكانيات هائلة لتعزيز النمو الاقتصادي عبر استغلال موارده البحرية بشكل مستدام. هذا التوجه يتماشى مع الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، خاصة في ظل التحديات المناخية المتزايدة.
يشمل الاقتصاد الأزرق مجموعة من القطاعات الحيوية، أبرزها الصيد البحري، تربية الأحياء المائية، الطاقات المتجددة البحرية، السياحة الساحلية، والنقل البحري. ويعتبر المغرب أحد أبرز الدول الإفريقية المنتجة والمصدّرة للأسماك، مما يعكس أهمية هذا القطاع في الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، يواجه الصيد البحري تحديات مثل الاستغلال المفرط للموارد السمكية والتغيرات المناخية، مما يستدعي تبني سياسات إدارة مستدامة لهذا المورد الحيوي.
في إطار تعزيز الاقتصاد الأزرق، تبنى المغرب استراتيجية وطنية تهدف إلى إدارة مستدامة للموارد البحرية وتعزيز فرص الاستثمار في هذا المجال. ومن بين المبادرات الهامة، دعم البنك الدولي للمغرب عبر تمويل برنامج بقيمة 350 مليون دولار لتعزيز الاقتصاد الأزرق، وتحقيق الأمن الغذائي، وخلق فرص عمل جديدة. يركز هذا البرنامج على تحسين الأطر المؤسسية، وتحقيق الإدارة المتكاملة للموارد البحرية، وتطوير قطاعات اقتصادية جديدة قائمة على الابتكار والاستدامة.
من بين القطاعات الواعدة في هذا الإطار، تبرز تربية الأحياء المائية كأحد الحلول المستدامة لسد احتياجات السوق المحلية والدولية من المنتجات البحرية. وقد تم إطلاق مشاريع ومزارع عديدة في هذا المجال باستثمارات تصل إلى 5 مليارات درهم، مع توقعات بإنتاج 300 ألف طن وخلق حوالي 7 آلاف فرصة عمل مباشرة. هذا التطور يعكس توجه المغرب نحو تنويع مصادر الدخل في القطاع البحري وتقليل الضغط على المخزون السمكي الطبيعي.
رغم الإمكانيات الكبيرة، تواجه التنمية المستدامة للاقتصاد الأزرق تحديات تتعلق بالتلوث البحري، والتنسيق بين مختلف الفاعلين، وتطوير البنية التحتية الداعمة للأنشطة البحرية. كما أن الحاجة إلى تعزيز البحث العلمي والتكنولوجي في هذا المجال باتت ضرورة ملحة لضمان استغلال أمثل للموارد البحرية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد البيئية والاجتماعية.
المستقبل الواعد للاقتصاد الأزرق في المغرب يعتمد بشكل كبير على قدرة الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات الحكومية على تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتبني سياسات بيئية مستدامة، وتشجيع الاستثمار في الابتكار البحري. كما أن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال حماية الموارد البحرية واستغلالها بشكل مسؤول سيكون له دور محوري في ضمان استدامة هذا القطاع الحيوي.