أثار التصريح الأخير لأناند كومار سريفاستافا، رئيس العمليات في بنك التنمية الجديد التابع لتكتل “البريكس”، بشأن رغبة الدول الأعضاء في انضمام المغرب إلى المؤسسة، اهتمام المراقبين، نظراً لصدوره من داخل العاصمة الرباط، وفي وقت تشهد فيه الديناميات الاقتصادية الدولية تحولات عميقة.
المسؤول، الذي كان يشارك في ندوة حول الصفقات العمومية المراعية للمناخ، أكد أن المغرب ليس عضوا حاليا في البنك، لكنه عبّر عن أمل المؤسسة في انضمامه مستقبلاً، موضحاً أن الانضمام يمر عبر مسطرة تبدأ بمبادرة من الدولة المعنية، يليها مسار قانوني ينتهي بالمصادقة البرلمانية وأداء حصة مالية في رأسمال البنك.
رغم ما تحمله هذه التصريحات من طابع دبلوماسي واقتصادي تقني، فإن سياقها ومكان صدورها يضفيان عليها بعداً سياسياً لا يمكن إغفاله. فمجموعة “بريكس” تسعى، منذ سنوات، إلى توسيع نفوذها الجغرافي والمالي، عبر استقطاب دول وازنة من الجنوب العالمي، بهدف تعزيز شرعيتها كمظلة بديلة للمؤسسات المالية الغربية التقليدية.
ويأتي ذكر المغرب في هذا السياق باعتباره شريكاً اقتصادياً صاعداً يتمتع باستقرار سياسي وتموقع استراتيجي، إضافة إلى شبكة علاقات دولية متوازنة مع أطراف متعددة.
غير أن الرؤية المغربية لم تتغير كثيراً منذ إعلانها سنة 2023، حيث شددت وزارة الخارجية آنذاك على أن المملكة لم تتقدم بأي طلب للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، ولم تكن تنوي المشاركة، حتى على مستوى رمزي، في القمة التي احتضنتها جنوب إفريقيا.
وقد فسّرت الرباط موقفها بكون الدعوة لم تأت من المجموعة ككيان، بل من جنوب إفريقيا بصفتها الوطنية، وهي الدولة التي تحتفظ معها المملكة بعلاقات فاترة، بسبب مواقفها المعروفة من قضية الصحراء المغربية.
البلاغ المغربي، الذي صدر حينها بلهجة واضحة، لم يكتف بنفي وجود أي مبادرة للالتحاق بالمجموعة، بل وجه انتقاداً مباشراً إلى دبلوماسية بريتوريا، معتبراً أنها “منحت لنفسها مرة أخرى الحق في الحديث باسم المغرب دون استشارة مسبقة”، وهو ما اعتبر خرقاً لأبسط قواعد الاحترام المتبادل في العلاقات الدولية.
وبيّن البلاغ أن المغرب، وإن كان يرفض الانضمام إلى “البريكس”، فإنه يحتفظ بعلاقات ثنائية قوية مع عدد من أعضائها، بل تربطه اتفاقيات شراكة استراتيجية بثلاثة منهم، في إشارة إلى الصين وروسيا والهند.
المقاربة المغربية، كما برزت خلال السنوات الأخيرة، تقوم على تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية وتنويع الشراكات الدولية دون الاصطفاف في تكتلات ذات طابع سياسي أو إيديولوجي. وهو توجه يتقاطع مع سعي الرباط إلى الحفاظ على هامش واسع من المناورة في علاقاتها الاقتصادية والمالية، سواء مع المؤسسات الغربية كالبنك الدولي وصندوق النقد، أو مع شركاء جدد من الشرق والجنوب.
وفي هذا السياق، تندرج الحياد المغربي تجاه “البريكس” ضمن سياسة خارجية تتفادى الاصطفاف في محاور قد تؤثر سلباً على توازنات المملكة الإقليمية والدولية.
تصريحات مسؤولي بنك التنمية الجديد، وإن بدت منسجمة مع خط التوسع الذي تتبناه المؤسسة، لا تعكس بالضرورة وجود تفاعل إيجابي من الجانب المغربي. فالمملكة، بما راكمته من خبرة في عقد الشراكات المتوازنة وتمويل مشاريع التنمية عبر أدوات متنوعة، لا تبدو منشغلة بالانضمام إلى تكتلات تحمل في طياتها رهانات سياسية معقدة أو تصورات تتقاطع مع أولوياتها الوطنية.