الحدث بريس : ايمان الشاتي
ثلاث عجلات ومحرك كهربائي متصلة بعربة تستخدم لنقل البضائع، يهيم في طرقات وشوارع المدينة الواسعة يقوده في الغالب شباب تتراوح أعمارهم بين 16 و35 سنة.منهم ضحايا الهدر المدرسي في مراحل تعليمية مختلفة، ومنهم عاطلون عن العمل دون تكوين ولا شواهد. منهم من خذله المعاش الزهيد فجار عليه الدهر،ومنهم أفراد طامحون للاندماج في النسيج السوسيو- اقتصادي بعد قضاءهم فترات متفاوتة بمؤسسات عقابية.بين مختلف هذه الفئات من يسعى “للخلاص الفردي”،ومنهم من يعول أسرته ويحاول الحصول على مصاريف وتكاليف الحياة القاسية، دون الحصول على رخصة خاصة بقيادته.
تعددت المهام و”التريبورتور” واحد
عرفت الدراجة النارية ثلاثية العجلات، المعروفة ب “التريبورتور”أو ما يطلق عليها لقب “آخر فرصة”، انتشارا واسعا وسط فئة من المواطنين خاصة الطبقة الهشة التي لا دخل قار لها.حيث سارع عدد مهم من المغاربة إلى شراء “التريبورتور” والتوجه إلى الأسواق أو لمحطات المسافرين لنقل البضائع أو الحيوانات وحتى الأثاث. ما ضايق أصحاب سيارات نقل البضائع والعربات المجرورة بالدواب، فيما حولها آخرون إلى وسيلة نقل تنافس سيارات الأجرة والحافلات.وأدخل عليها البعض تغييرات على مستوى الهيكل مما جعلها تبدو كدكان متحرك.
كغيره من الشباب الذي ضاق ذرعا بالبطالة والعوز،يحكي عمر “أنه اهتدى قبل أربعة أعوام إلى شراء دراجة ثلاثية العجلات، ينقل فيها الأفراد الذين لا يجدون وسيلة نقل في الصباح الباكر ليلتحقوا بأماكن عملهم، ثم بعدها يأتي إلى السوق، يركن دراجته في الصف وينتظر دوره كالعادة في نقل سلع وبضائع التجار إلى وسط المدينة حيث يؤتمن عليها ليسلمها إلى أصحابها في المكان المتفق عليه”.
هي أيضا حالة أحمد “الرجل الستيني”، الذي اشترى دراجة ثلاثية العجلات بحثا عن مصدر رزق إضافي يتيح له تلبية حاجيات أسرته، في ظل معاش هزيل حصل عليه من اشتغاله في إحدى شركات صناعة الأفرشة. يقود أحمد”التريبورتور”، مجتاحا شوارع الدار البيضاء، ليساهم بدوره في حل مشكلة أزمة النقل الخانقة التي تعرفها المدينة وضواحيها.
أثارت تلك الدراجات انتباه سكان البيضاء وباقي المدن، في السنوات الأخيرة فهي تنقل الخضر والفواكه والأسماك إلى الباعة في الأسواق المنتشرة في الأحياء الشعبية.بعضهم يضع كراسي في خلفية الدراجة، من أجل نقل العمال ومشجعي كرة القدم المتوجهين إلى الملعب. وفي الصيف تراها تجوب الشوارع المحاذية للشاطئ كي تحمل المصطافين العائدين إلى منازلهم. بل تجدها أيضا في المناطق الصناعية التي تنقل إليها العمال والعاملات بالمصانع.
للجامعيين نصيب من الدراجة الثلاثية العجلات.
لم يتوقع الشاب الثلاثيني، يونس،أن يضطر عقب رحلة جامعية استمرت ثلاث سنوات في شعبة الفلسفة، للعمل سائقا لـ”تريبورتور”، تحت رحمة السماء يستنشق هواء ملوثا طول اليوم، غير أن هذه المركبة ثلاثية العجلات باتت رغم تواضعها بالنسبة له كنزا ثمينا، فمحظوظ من يمتلكها أمام الفقر الذي تعرفه العديد من الأسر المغربية وأرقام البطالة التي تكبر يوما بعد يوم.
ويتابع طالب الفلسفة سابقا” هذه العربة الصغيرة توفر الطعام والقليل من المال لأسرتي المكونة من خمسة أفراد بعد أن فشلت في الحصول على عمل في مجال دراستي”.
نعمة أم نقمة…؟
يصل سعر” التريبورتور”أحيانا إلى 15000 درهما، وهو مبلغ كبير بالنسبة لكثير من الأسر المعوزة، مما يضطر معظم مشتريه إلى نهج طريق تقسيط ثمنه على دفعات.وأحيان أخرى تقترض الأسر الفقيرة من مؤسسة للقروض الصغرى، كي تؤمن لأبنائها ثمن تلك الدراجة ثلاثية العجلات. التي قد تشكل مصدر إعالة، ومنقذ للكرامة من بسط اليد طلبا للصدقة، فأغلب هؤلاء يؤكدون أن تلك الدراجات تذر عليهم ما بين 150 و200 درهما في اليوم.
الكثير من أصحاب تلك الدراجات يضربون بعرض الحائط ضوابط قانون السير،ويحملونها فوق طاقتها، مما يتسبب في كثير من الأحيان في حوادث سير مميتة، يذهب ضحيتها أشخاص ذنبهم الوحيد أنهم وثقوا في سائقي تلك الدراجات وأمنوهم على أرواحهم، أو التقوهم عرضا في متاهات السير والجولان بالمدينة.
عند هذا المستوى تتفاوت التقديرات بين متفهم لعمل، أو حتى تجاوزات، أصحاب “التربيورتورات”، فهم في نظر هذه الفئة أنقذوا أنفسهم من براثن الفقر ونكبات الدهر، ويساهمون في إنقاذ من تقطعت بهم السبل، أو هالهم أمر ارتفاع أسعار النقل. وفي المقابل هناك من يرى في طريقة عمل أصحاب “التريبورتورات”، ليس فقط مؤشرا إضافيا على طفوح أعراض الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة واستشراءها بمدينة الدار البيضاء، بل مبعث قلق وخطر يقتضي تدخلا عاجلا قصد ضبطه وتقنينه .