Sa Majesté le Roi Mohammed VI, que Dieu L'assiste, reçoit Wali Bank Al-Maghrib, M. Abdellatif Jouahri
شارك
يشكل تخليد الذكرى الـ71 لثورة الملك و الشعب، يوم الثلاثاء 20 غشت 2024، مناسبة لإستحضار القيم الوطنية الحقة و مواقف الصمود و التضحية، التي تعتبر مبعث فخر و إعتزاز و مصدر قوة و تماسك لمواصلة مسيرات بناء المغرب الحديث في إجماع وطني حول ثوابت الأمة و مقدساتها و خياراتها الكبرى.
و ذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير، في بلاغ لها بالمناسبة، أن الشعب المغربي، و معه نساء و رجال الحركة الوطنية و المقاومة و جيش التحرير، يخلد في أجواء الحماس الوطني الفياض و التعبئة المستمرة ذكرى ملحمة ثورة الملك و الشعب الغراء التي جسدت أروع صور التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي الوفي بقيادة العرش العلوي الأبي في سبيل حرية الوطن و إستقلاله و وحدته.
و أضافت أن هذه الملحمة المباركة اندلعت يوم 20 غشت 1953 حينما امتدت أيادي المستعمر الغاشم إلى رمز السيادة الوطنية و الوحدة و بطل التحرير و الإستقلال و المقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه لنفيه و أسرته الملكية الشريفة و إبعاده عن عرشه و وطنه، متوهمة أنها بذلك ستخمد جذوة الكفاح الوطني و تفكك العرى الوثيقة و الترابط المتين بين عرش أبي و شعب وفي.
إلا أن هذه الفعلة النكراء، يتابع المصدر ذاته، كانت بداية النهاية للوجود الإستعماري و آخر مسمار يدق في نعشه، حيث وقف الشعب المغربي صامدا في وجه هذه المؤامرة الدنيئة، مضحيا بالغالي و النفيس في سبيل عزة و كرامة الوطن، و صون سيادته و هويته و عودة الشرعية و المشروعية بعودة الملك الشرعي مظفرا منتصرا حاملا لواء الحرية و الإستقلال و الوحدة الوطنية.
و سجل أن ثورة الملك و الشعب كانت محطة تاريخية بارزة و حاسمة في مسيرة النضال الوطني الذي خاضه المغاربة عبر عقود و أجيال لصد التحرشات و الإعتداءات الإستعمارية، فقدموا نماذج رائعة و فريدة في تاريخ تحرير الشعوب من براثن الإستعمار، و أعطوا المثال على قوة الترابط بين مكونات الشعب المغربي، بين القمة و القاعدة، و إسترخاصهم لكل غال و نفيس دفاعا عن مقدساتهم الدينية و ثوابتهم الوطنية و هويتهم المغربية.
و من ثم، فإن ملحمة ثورة الملك و الشعب لها في قلب كل مغربي مكانة كبيرة و منزلة رفيعة لما ترمز إليه من قيم حب الوطن و الإعتزاز بالإنتماء الوطني و التضحية و الإلتزام و الوفاء بالعهد و إنتصار إرادة العرش و الشعب.
و هكذا، يوضح البلاغ، واجه المغرب و المغاربة الأطماع الأجنبية و تصدوا بإيمان و عزم و إصرار للتسلط الإستعماري على الوطن، مستحضرا في هذا المقام أمجاد و روائع المقاومة المغربية في مواجهة الإحتلال الأجنبي بجهات الوطن كافة، و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، و معركة أنوال بالريف من 1921 إلى 1926، و معركة بوغافر بورزازات، و معركة جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، و ما إليها من الملاحم و المعارك البطولية.
و تواصل العمل السياسي الذي ظهرت أولى تجلياته في مناهضة ما سمي بالظهير البربري سنة 1930 الذي كان من أهدافه شق الصف الوطني والتفريق بين أبناء الشعب المغربي الواحد لزرع بذور التمييز العنصري والنعرات القبلية والطائفية، وتلا ذلك تقديم سلسلة من المطالب الإصلاحية ومنها برنامج الإصلاح الوطني.
كما إستمرت التعبئة الوطنية و إشاعة الوعي الوطني و التربية على القيم الدينية و الوطنية و نشر التعليم الحر الأصيل و تنوير الرأي العام الوطني و أوسع فئات الشعب المغربي و شرائحه الإجتماعية بالحقوق المشروعة و بعدالة المطالب الوطنية.
و لفتت المندوبية إلى أن هذا العمل الدؤوب توج بتقديم الوثيقة التاريخية؛ وثيقة المطالبة بالإستقلال في 11 يناير 1944، التي جسدت وضوح الرؤيا و الأهداف و عمق و قوة إرادة التحرير لدى العرش و الشعب، و هي من إرادة الله و التي تمت بتشاور و توافق بين بطل التحرير و الإستقلال و المقاوم الأول، جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه و قادة الحركة الوطنية، و شكلت منعطفا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل حرية المغرب و إستقلاله و طموحاته المشروعة و تطلعاته لبناء مستقبل واعد.
و في يوم 9 أبريل 1947، قام جلالة المغفور له محمد الخامس بزيارة الوحدة التاريخية لمدينة طنجة، حيث ألقى خطابه التاريخي الذي حدد فيه مهام المرحلة الجديدة للنضال الوطني، مؤكدا رحمه الله جهارا على مطالبة المغرب بإستقلاله و وحدته الوطنية.
و قد شكلت تلك الزيارة الميمونة محطة تاريخية جسدت إرادة حازمة و قوية في مطالبة المغرب بحقه المشروع في الإستقلال و الحرية و تأكيده على وحدته و تشبثه بمقوماته التاريخية و الحضارية و إلتزامه بإنتمائه العربي و الإسلامي و تجنده للدفاع عن مقدساته الدينية و ثوابته الوطنية و هويته الحضارية و الثقافية و الإجتماعية و الإنسانية.
و كان من نتائج هذه الزيارة الملكية الميمونة إحتدام الصراع بين القصر الملكي و سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية التي وظفت كل أساليب التضييق على رمز الوحدة المغربية و السيادة الوطنية، محاولة الفصل بين الملك و شعبه و طلائع الحركة الوطنية و التحريرية، و لكن كل ذلك لم يثن العزائم و الهمم، فإحتدم الصراع و النزال و إرتفع إيقاع المواجهة المباشرة مع السلطات الإستعمارية.
و هكذا، و أمام إلتحام العرش و الشعب و المواقف البطولية لجلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، الذي ظل ثابتا في مواجهة مخططات الإقامة العامة للحماية الفرنسية، لم تجد السلطات الإستعمارية من إختيار لها سوى الإعتداء على رمز الأمة و ضامن وحدتها و نفيه هو و العائلة الملكية في يوم 20 غشت 1953، متوهمة بأنها بذلك ستقضي على روح و شعلة الوطنية و المقاومة، لكن المقاومة المغربية تصاعدت وتيرتها و إشتد أوارها لتبادل ملكها حبا بحب و تضحية بتضحية، و وفاء بوفاء، مثمنة عاليا الموقف الشهم لبطل التحرير و الإستقلال الذي آثر المنفى على التنازل بأي حال من الأحوال عن العرش أو على التراجع عن قناعاته و إختياراته في السيادة الوطنية و في صون عزة و كرامة الشعب المغربي.
و في حمأة هذه الظروف العصيبة، إندلعت أعمال المقاومة و الفداء التي وضعت كهدف أساسي لها عودة الملك الشرعي و أسرته الكريمة من المنفى إلى أرض الوطن و إعلان الإستقلال، و تأججت المظاهرات و الوقفات الإحتجاجية و أعمال المقاومة السرية و الفدائية، و تكللت مسيرة الكفاح الوطني بإنطلاق عمليات جيش التحرير بشمال البلاد في فاتح أكتوبر من سنة 1955.
و بفضل هذه الثورة المباركة و العارمة، لم يكن من خيار للإدارة الإستعمارية سوى الرضوخ لإرادة العرش و الشعب، فتحقق النصر المبين، و عاد الملك المجاهد و أسرته الشريفة في 16 نونبر 1955 من المنفى إلى أرض الوطن، لتعم أفراح العودة و أجواء الإستقلال و تباشير الخير و اليمن و البركات سائر ربوع و أرجاء الوطن، و تبدأ معركة الجهاد الأكبر الإقتصادي و الإجتماعي لبناء و إعلاء صروح المغرب الحر المستقل و تحقيق وحدته الترابية.
و تواصلت مسيرة التحرير و إستكمال الإستقلال الوطني بإسترجاع طرفاية يوم 15 أبريل 1958 و سيدي إفني في 30 يونيو 1969، لتتوج هذه الملحمة البطولية بتحرير ما تبقى من الأجزاء المغتصبة من الصحراء المغربيـة بفضـل إلتحـام العرش و الشعـب و حنكـة و حكمة مبدع المسيرة الخضراء المظفرة جلالة المغفور له الحسن الثاني، بتنظيم المسيرة الخضراء التي تعتبر نهجا حكيما حضاريا في النضال السلمي لإسترجاع الحق المسلوب، و التي حققت الهدف المنشود و المأمول منها بجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية في 28 فبراير 1976 و إسترجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979.