الصحراء المغربية وملف الحدود: جدلية الخفاء والتجلي

0

في حالة الخلاف المغربي الجزائري تحجب بالفعل، الشجرة الغابة، و يحسب الكثير أن المشكل يكمن فقط في الصحراء المغربية التي استرجعت في سنة 1975، و الحال أن جوهر الصراع يوجد في خلاف حدودي يتمحور أساسا في شريط الجنوب الشرقي للمملكة و الغربي للجزائر، أي فيما يصطلح عليه مغربيا بالصحراء الشرقية .

في الاتفاقيات و المعاهدات و البروتوكولات القليلة التي أبرمت بين البلدين، كان بروتوكول 1961 أكثرها وضوحا و تعبيرا عن حقيقة الخلاف بين البلدين، ففي أحشائه و بين سطوره اعتراف ساطع بمشكل حدودي و تراب مغربي فوته الاستعمار للجزائر بعد استقلالها.

لكن  الدولة الجزائرية تنكرت لهذا  البرتوكول، و بسبب هذا التنصل ستندلع شرارة أول حرب بين البلدين في أكتوبر 1963، وهي الحرب التي لم تسفر عن أي نتائج تذكر في ملف الحدود، و على الرغم من أن السبب المباشر لاشتعال هذه الحرب كان هو ملف الحدود، لكن الأطراف ظلت تبرر ذلك بمناوشات و اتهامات لهذا الطرف أو ذاك بالسعي لتغيير المعالم المترتبة عن الحقبة الاستعمارية، فلم يسبق للمغرب و لا للجزائر أن تحدثتا بشكل رسمي و واضح عن مشاكل و خلافات حدودية، و ظل هذا الموضوع يشغل قسما هاما من الأحزاب و الجمعيات و المنظمات غير الحكومية، و بين الفينة و الأخرى و حين يتجاوز هذا الرأي أو ذاك الحدود المرسومة تتدخل الجهات الرسمية ببلاغات حكومية تؤكد على احترام « الستاتيكو »، فعلى إثر تصريح امحمد الدويري الذي ذهب فيه إلى أن حدود المغرب تمتد إلى الهكار صدر بيان حكومي مغربي يعتبر أن الحدود هي الحدود المتعارف عليها، أي أنها هي تلك التي خلفها الاستعمار الفرنسي و هي بالضبط المسطرة في معاهدة إيفران سنة 1972، و هي المعاهدة التي تتباين المواقف منها بين الدولتين، ففي الوقت الذي سارعت الجزائر لترسيمها شهور فقط بعد التوقيع عليها لم يصادق عليها المغرب إلا بعد 20 سنة من إبرامها، و لحد الساعة لم تناقش بالبرلمان المغربي، و هو شرط من شروط تفعيلها …فهل الخلاف الحقيقي و المباشر بين البلدين هو الصحراء أم إنها ” الحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي تحديدا “، و أن ما شهده الصراع بين البلدين و ما ترتب عنه من حروب في 1963 و بعد استرجاع الصحراء المغربية يعد المؤشر الواقعي و الدال على أن المشاكل الحدودية و عبث الادارة الاستعمارية بها هو الجوهر و اللب، أي أن الحرب التي تخوضها جبهة البوليزاريو بالوكالة هي خطة جزائرية لصرف الأنظار عن مشكل حدودي بين البلدين، يخص التراب الذي ألحق بالجزائر بعد استقلالها و الذي كانت تحتله فرنسا، و ليس ذلك الذي كان خاضعا للادارة الاسبانية و هو ما لا خلاف فيه مباشرا مع الجزائر،  لكن لماذا ظلت الدولتان تموه عليه تارة بهذا التبرير و تارة بذاك و تارة أخرى بنظام من الاشارات أو الصمت ؟

- الحدث بريس-

- الحدث بريس-

- الحدث بريس-

إن الجزائر التي لم تكن عبر كل مراحل التاريخ، السابقة عن الاستعمار، سوى مجرد إمارة محشورة في رقعة جغرافية صغيرة، أضحت بعد جلاء فرنسا عن المنطقة دولة شاسعة لا تكاد تغيب عنها الشمس، و المغرب الذي كان امبراطورية عظمى و دولة كبرى أسست نفسها بنفسها منذ أزيد من اثني عشر قرنا، ستصبح بعد الاستقلال دولة مبتورة الأطراف، فاقتضى منطق معين و قراءة فريدة من نوعها للتاريخ و لهذا الواقع، معاكسة المغرب في استرجاع جزء من ترابه كشكل من أشكال الإلهاء و عرقلة السير في الطريق السديد، فجاءت معاكسة المغرب في بداية استكمال وحدته كوضع العصا في العجلة لئلا تكمل دورتها الطبيعية، فتم تجنيد جماعة الانفصال و أنشئت لها دولة وهمية، و كل ذلك كان هدفه الحيلولة دون مطالبة المغرب ببقية ترابه و تحديدا ذلك الذي فوتته فرنسا للجزائر.

و بموجبه رفعت الجزائر تهمة ” التوسع ” في وجه المغرب، فصارت المطالبة بأراضيه و حقوقه مناسبة لنعته في المحافل الافريقية و القارية ب ” النظام التوسعي “، فنجح خصوم البلاد و أعداء الاشعاع التاريخي للمغرب في  انسياق البلاد  بشكل من الاشكال في ضبط تحركاتها و مطالبها الترابية التي اقتصرت، رسميا، منذ 1975 على الصحراء المغربية و لم تسع لفتح ملف الأراضي الأخرى لاسيما الصحراء الشرقية، فهل كان من مصلحة المغرب فعلا السكوت عن الأراضي التي فوتتها فرنسا للجزائر، و اختصار الصراع مع الجزائر في قضية الصحراء المغربية فقط ؟

لطالما تردد على مسامعي، باعتباري مغربيا منحدرا من الصحراء الشرقية أن المغرب لا يمكنه أن يشتت نظره في اتجاهين، و أن عين العقل تقتضي التفرغ في الوقت الحاضر لاستكمال الوحدة الترابية في الصحراء المغربية الغربية، فهل هذا الطرح   يعد صالحا عقب ما أحرزه المغرب  من انتصارات متوالية و غير مسبوقة في ملف الصحراء المغربية، أو لم يحن الوقت  للانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم،  و من ثمة توسيع رقعة اللعب و حشر الخصوم في زاوية ضيقة، و هو ما تحقق نسبيا فقط حين تم مباشرة ملف الصحراء المغربية بمنهجية جديدة لم تكن في حسبان الخصوم، فجاءت ردة فعلهم في برنامج قناة الشروق حبلى بالإخفاقات  و الانزياحات عن الأعراف الدبلوماسية في حدودها الدنيا …

أما البقاء في المربع السابق  فيبدو لي مريحا لخصوم البلاد و يفرش أمامهم البساط الصالح لممارسة ألاعيبهم المألوفة، كما أنه  يتغافل عن ورقة هامة وهي واقع انقسام أسر الصحراء الشرقية بين البلدين و ارتباطهم التاريخي بالمغرب و بتافيلالت خصوصا، و هو ما يضفي على ملف الصحراء الشرقية مميزات  وخصائص يمكن النظر فيها على مستويات عدة منها  :

1-   ارتباط سكان الصحراء الشرقية برباط البيعة مع ملوك المغرب و على الأخص ملوك الدولة العلوية .

2-   الجنسية المغربية للسكان و أراضيهم لا تشوبها شائبة و لا تفتقر للدلائل و الحجج .

3-   انقسام السكان بين البلدين بعد استقلال الجزائر لأول مرة في التاريخ، فحدث لسكان الصحراء الشرقية تشتيت لأسرهم و تمزيق لشملهم مع ما ترتب عن ذلك من خروقات سافرة للمواثيق الدولية و في مقدمتها الميثاق العالمي لحقوق الانسان .

4-   و ترتيبا على ما سبق صارت لنفس الأسر جنسيتان مختلفتان و وضعان غير متساويين من بعض النواحي مع غيرهم في ولوج بعض الوظائف و تقلد بعض المهام التمتع ببعض  الحقوق …

5-   تحول تراب الصحراء الشرقية إلى مناطق عسكرية، ففي كل قرية  ثكنة للجنود و إدارة تغص بالمخبرين  .

6-   إفراغ قيادة دوي منيع بعين الشواطر بإقليم فجيج من محتواها و داعي وجودها منذ أن تم إسناد إدارتها لأطر وزارة الداخلية من غير المنحدرين من الصحراء الشرقية، كما ظلت هذه القيادة متنقلة وفق المصلحة و ما تقتضيه الضرورة، و يبدو أن تنقيلها اليوم إلى الرشيدية المركز أضحى ضرورة قصوى لتضطلع بدورها في تأطير المواطنين و تأهيلهم لكل غاية مفيدة .

7-   تشجيع المبادرات التي تصب في تمتين الوشائج بين السكان المنتمين للصحراء الشرقية في البلدين، و تقديم الدعم المادي و المعنوي لهم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.