شهد ملف الصحراء المغربية خلال سنة 2025 تحولات نوعية تعكس تغيراً عميقاً في المشهد الدبلوماسي الإقليمي والدولي، وذلك بعد موجة متزايدة من الاعترافات والدعم المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة المغربية.
هذه الدينامية السياسية الجديدة لم تأت من فراغ، بل هي ثمرة سياسة خارجية مغربية استباقية وممنهجة، وظفت أدوات القوة الناعمة، والشراكات الاقتصادية، والانخراط الفعّال في المنظمات الإقليمية والدولية.
على مستوى الأمم المتحدة، استمر المسار السياسي الذي تقوده المنظمة في التأكيد على أولوية الحل السياسي الواقعي والمستدام.
وفي هذا السياق، تلقى المبادرة المغربية مزيداً من الدعم بوصفها الإطار الأكثر جدية ومصداقية، حسب تعبير متكرر في قرارات مجلس الأمن الأخيرة.
في المقابل، أصبح الطرح الانفصالي متجاوزاً على نحو متزايد، في ظل غياب مشروع سياسي واضح لدى جبهة البوليساريو، وتآكل دعمها في عدد من المنتديات الدولية.
أوروبياً، بدا واضحاً خلال 2025 أن مواقف العديد من الدول باتت تتقارب مع الطرح المغربي، وإن كان ذلك أحياناً بصيغ دبلوماسية حذرة.
إسبانيا، التي شكلت نقطة تحول حاسمة منذ 2022، واصلت التمسك بموقفها المؤيد لمقترح الحكم الذاتي، رغم محاولات بعض الأطراف الداخلية المزايدة عليه ، وتلتها فرنسا في 2025 ثم المملكة المتحدة .
أما ألمانيا وهولندا، فقد عبرتا خلال السنة الجارية عن دعمهما الواضح لجهود المغرب في إطار الأمم المتحدة، وهو ما يعكس وعياً أوروبياً متزايداً بضرورة الاستقرار في شمال أفريقيا كشرط لحماية المصالح الاستراتيجية المشتركة، خصوصاً في ملفات الطاقة والهجرة والأمن.
دون أن ننسى الدور المحوري الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا في هذا الملف بعد اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية وما ترتب عليها من أثر إيجابي
في القارة الإفريقية، حافظ المغرب على نسق تصاعدي في استقطاب الدعم، عبر شراكات اقتصادية وديبلوماسية قوية، وخاصة في غرب ووسط إفريقيا. وقد أقدمت عدة دول إفريقية، خلال 2025، على افتتاح قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، ما يحمل رمزية دبلوماسية قوية، ويعزز السيادة المغربية الفعلية على الأقاليم الجنوبية.
وفي المقابل، تقلص عدد الدول التي ما تزال تعترف بجبهة البوليساريو، حيث باتت الغالبية تنحو نحو الحياد أو الانخراط الإيجابي مع المبادرة المغربية.
غير أن هذا الزخم لم يخلُ من تحديات، أبرزها محاولات خصوم الوحدة الترابية استغلال بعض الفضاءات الدولية، مثل الاتحاد الإفريقي أو بعض المنابر الإعلامية، لإعادة إحياء أطروحة الانفصال. كما أن التحالفات الإقليمية، خصوصاً مع الجزائر، ما تزال تسعى لفرملة الاعترافات الدولية، رغم تراجع فعاليتها وتأثيرها مقارنة بالسنوات الماضية.
إن المتغيرات الجيوسياسية لعام 2025 أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أن المغرب ينجح تدريجياً في فرض رؤيته كأمر واقع دبلوماسي، بفضل استراتيجية متعددة الأبعاد تراهن على الشرعية الدولية، والمشروعية السياسية، والانخراط الإقليمي.
كما أن التحولات الجارية تكرّس معادلة جديدة في الملف، قوامها الواقعية والتعاون، بدل الشعارات والانغلاق، ما يجعل الحل النهائي أقرب من أي وقت مضى، شرط استمرار هذه الدينامية وتعزيز المكاسب المحققة ضمن رؤية استراتيجية متكاملة.