في خطوة مهمة على صعيد التشريعات الاجتماعية، صادقت المحكمة الدستورية المغربية في 13 مارس 2025 على القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
ورغم أن المحكمة أكدت توافق القانون مع الدستور ، فإنها أبدت ملاحظات على ثلاث مواد مثيرة للجدل. هذه المصادقة، التي تأتي في وقت حساس، تثير العديد من التساؤلات حول التوازن بين ضمان حق الإضراب والحفاظ على استقرار المؤسسات.
قانون الإضراب والملاحظات الدستورية: فحص متأني
أعلنت المحكمة الدستورية في حكمها أن القانون التنظيمي للإضراب لا يخالف الدستور، وذلك بعد تقييم دقيق لمواد القانون.
إلا أن المصادقة لم تكن خالية من الانتقادات. حيث أبدت المحكمة ملاحظات على ثلاث مواد من القانون، وأكدت أن هناك بعض المواد التي قد تحتاج إلى تعديل أو إعادة نظر في المستقبل لتتوافق بشكل كامل مع الدستور المغربي والاتفاقات الدولية.
المادة 1: تعزيز المرجعية الدولية دون إحداث خلاف دستوري
تبدأ المحكمة بتقييم المادة 1 التي تنص على أن ممارسة حق الإضراب يجب أن تتم وفقًا للمرجعيات الوطنية والدولية. ورغم أن المحكمة اعتبرت أن هذه المادة لا تمثل مخالفة للدستور، إلا أن هناك تساؤلات حول ما إذا كان هذا التأكيد كافٍ لضمان التوافق التام بين النصوص القانونية المحلية والإعلانات الدولية، خاصة في ظل متطلبات حقوق الإنسان وحريات العمل.
المادة 5: الإضراب غير المشروع – هل يهدد الحقوق النقابية؟
أما المادة 5، التي تشير إلى أن أي إضراب لا يتماشى مع أحكام هذا القانون أو النصوص التنظيمية المرتبطة به يُعتبر غير مشروع، فقد لاقت أيضًا نقدًا. المحكمة الدستورية لم ترَ في هذه المادة مخالفة دستورية، لكنها شددت على ضرورة أن تكون النصوص التنظيمية المحددة لشروط ممارسة الإضراب، عند إصدارها مستقبلاً، متوافقة مع التوجهات العامة للقانون التنظيمي.
هذا التأكيد يثير القلق في الأوساط النقابية، إذ يخشى العديد من النقابيين أن تكون هذه المادة أداة لتقليص نطاق الإضرابات المشروعة وتقليص قدرة العمال على استخدام هذا الحق بفعالية في مواجهة السياسات الحكومية أو أرباب العمل.
المادة 12: الإضراب في القطاع الخاص – تحديات التمثيل النقابي
المادة 12، التي تركز على كيفية الدعوة إلى الإضراب في القطاع الخاص في حالة عدم وجود تمثيل نقابي، تعد نقطة حساسة في القانون.
المحكمة الدستورية أبدت أيضًا موافقتها على هذه المادة بشرط أن تلتزم النصوص التنظيمية الصادرة في المستقبل بالأطر القانونية التي يحددها القانون التنظيمي. إذ تطرح هذه المادة تحديًا رئيسيًا في ظل غياب تمثيل نقابي قوي في بعض القطاعات، مما قد يعقد قدرة العمال على ممارسة حقهم في الإضراب.
القلق النقابي: المخاوف من تقييد الحق في الإضراب
بينما رحبت بعض الأوساط القانونية بتصديق المحكمة على القانون التنظيمي للإضراب، فإن النقابات العمالية عبرت عن قلقها البالغ.
النقابات ترى في بعض المواد ضغوطًا غير مباشرة على حق الإضراب، خاصة تلك التي تتعلق بشروط وشكل الإضراب، مما يهدد قدرة العمال على التعبير عن مطالبهم بشكل فعال. هذه المخاوف تتزايد بعد الانتقادات التي وجهها عدد من النقابيين حول نية الحكومة في فرض قيود قد تكون أكثر تشددًا على الإضراب في المستقبل.
هل سيظل القانون يوازن بين الحقوق والضوابط؟
يبقى السؤال الأهم: هل سيظل قانون الإضراب في نسخته الحالية يحترم حقوق العمال ويوازنها مع مصالح الدولة والمؤسسات؟ المحكمة الدستورية، على الرغم من مصادقتها على القانون، أبقت الباب مفتوحًا أمام مراجعة النصوص التنظيمية لتفادي أي تطور قد يمس بحقوق النقابيين. كما أن من المنتظر أن تواصل النقابات توجيه انتقاداتها، في ظل المخاوف من تقييد حرية الإضراب التي تعد أحد حقوق العمل الأساسية.
في النهاية، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان توازن حقيقي بين التنظيم الدستوري لحق الإضراب وبين الحفاظ على حقوق العمال وحرياتهم، دون أن يصبح هذا الحق أداة للضغط على الأطراف التي تسعى لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.