المغرب يثبت نفسه على الساحة الدولية.. الدبلوماسية المغربية بين الواقع والسياسة

0

لعل القرار الأممي رقم 2797، الصادر عن مجلس الأمن في نهاية أكتوبر 2025، شكّل لحظة فارقة في مسار قضية الصحراء المغربية. لم يكن مجرد نص مكتوب على الورق، بل جاء كاعتراف دولي بمصداقية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدّم بها المغرب، وأظهر قدرة المملكة على تحويل قضية عالقة منذ عقود إلى مسار سياسي واقعي، يعترف به المجتمع الدولي ويستند إلى الحقائق على الأرض.

إن ما يميز هذا الإنجاز هو عمق الدبلوماسية المغربية، التي اعتمدت على مزيج متوازن بين الحوار البناء مع الدول المختلفة، وبناء تحالفات إقليمية ودولية، وتعزيز التنمية على الأرض لتقوية المصداقية. القرار يوضح أن الحلول الواقعية المبنية على التنمية والمشاركة الشعبية لها وزن أكبر من المواقف المتصلبة، وأن العمل الميداني على الأرض يمكن أن يضاعف تأثير الدبلوماسية.

تحول في مواقف العديد من الدول

على المستوى الدولي، يمثل القرار تحولًا ملموسًا في مواقف العديد من الدول، التي باتت ترى جدية المقترح المغربي كحل شامل للنزاع. ويظهر هذا التحول قدرة المملكة على قراءة البيئة الدولية واستغلال التغيرات لصالح موقفها، سواء من خلال شراكات مع الدول الإفريقية أو التعاون مع القوى الكبرى. هذا التحرك الدبلوماسي عزّز مكانة المغرب كفاعل مسؤول قادر على المساهمة في الأمن والاستقرار الإقليمي.

القرار لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة استراتيجية متكاملة تربط بين السياسة الخارجية والمصالح الداخلية. فقد أظهرت المملكة على الأرض التزامها بتحسين حياة السكان في الأقاليم الجنوبية، عبر مشاريع حقيقية في البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والإسكان، وتوفير فرص العمل. هذا الإنجاز الميداني أعطى المبادرة المغربية مصداقية أكبر أمام المجتمع الدولي، وأظهر أن المغرب لا يكتفي بالخطابات السياسية، بل يقدم حلولًا ملموسة ومستدامة.

على الصعيد الإقليمي، يعزز القرار موقع المغرب ويمنحه قدرة أكبر على التأثير في السياسات المشتركة. فهو يفتح المجال أمام إعادة تقييم مواقف بعض الدول الإفريقية التي كانت مترددة، ويؤكد دور المملكة كشريك موثوق في قضايا الأمن والتنمية. كما يمنح المغرب فرصة للتفاوض بشكل أفضل مع الجيران، بما في ذلك الجزائر، التي لا يزال النزاع يشكّل محورًا حساسًا في سياساتها الخارجية.

القرار يحمل أيضًا بعدًا اقتصاديًا مهمًا. فالاعتراف الدولي بمصداقية المبادرة يفتح آفاقًا للاستثمار في الأقاليم الجنوبية. سواء في البنية التحتية، أو الطاقة، أو السياحة، أو الصناعة، أو الزراعة. هذه المشاريع لن تحسّن مستوى المعيشة فحسب. بل ستعزز الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وهو عامل مهم لضمان نجاح أي حل طويل الأمد. كما أن التنمية الاقتصادية تمثل عامل جذب للاستثمارات الدولية. وتعكس قدرة المغرب على أن يكون دولة مستقرة وموثوقة في منطقة مليئة بالتحديات.

تأكيد الوحدة الوطنية وحقوق المواطنين في الأقاليم الجنوبية

على المستوى الداخلي، يعيد القرار تأكيد الوحدة الوطنية وحقوق المواطنين في الأقاليم الجنوبية. فقد شعر السكان بالاعتراف الدولي بحقهم في المشاركة في الحكم المحلي ضمن إطار موحد يضمن لهم التنمية والاستقرار. ويبرز هذا الانتصار قدرة القيادة على ربط المطالب المحلية بالسياسات الوطنية. ليصبح الحل السياسي مشروعًا شاملًا يدمج بين التنمية والمشاركة الشعبية والاعتراف الدولي.

التحديات المستقبلية تبقى قائمة، إذ يجب على المغرب تحويل هذا النجاح الدبلوماسي إلى واقع ملموس على الأرض. تعزيز مؤسسات الحكم الذاتي، وضمان مشاركة حقيقية للسكان المحليين. وتطوير التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل مستدام. كلها عوامل أساسية لضمان استمرار النجاح. كما يجب إدارة العلاقة مع الأطراف المعارضة، بما في ذلك جبهة البوليساريو والدول التي تدعمها. بطريقة ذكية ومرنة لتجنب أي توترات تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي.

يمكن أيضًا النظر إلى القرار من زاوية التحولات الدولية. فهو يعكس قدرة المغرب على التأثير في السياسة العالمية واستغلال الفرص لصالح موقفه. نجاح المملكة في تحريك مواقف الدول الكبرى والأطراف الدولية الأخرى. وإظهار المبادرة المغربية كحل واقعي ومستدام، يعكس استراتيجية دبلوماسية متقدمة ترتكز على الحوار المستمر والتفاوض وليس على الضغوط أو المواجهة.

القرار يقدم درسًا مهمًا في السياسة الدولية: القوة الحقيقية للدولة لا تكمن في المواقف الصارمة أو الخطابات الصاخبة. بل في القدرة على الجمع بين السياسة الداخلية والتنمية على الأرض. وبين الدبلوماسية المرنة والمصداقية المحلية والدعم الدولي. المغرب استطاع أن يقدم نموذجًا حيًا لكيفية إدارة النزاعات الطويلة والمعقدة بطريقة ناجحة وواقعية.

آفاق كبيرة لتعزيز مكانة المغرب في القضايا الإقليمية والدولية

من منظور استراتيجي، يفتح القرار آفاقًا كبيرة لتعزيز مكانة المغرب في القضايا الإقليمية والدولية. فهو يمنح المملكة مساحة أكبر للتأثير في القرارات المتعلقة بالأمن الإقليمي. ويعزز فرصها في المساهمة في مشاريع التنمية المشتركة مع الدول الإفريقية. ويؤكد دورها المؤثر في المبادرات الدولية المتعلقة بالسلام والاستقرار. كما يتيح فرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الشريكة. ويثبت أن الدبلوماسية يمكن أن تكون أداة لتحقيق مصالح وطنية واقعية.

إلى ذلك، يمثل القرار الأممي 2797 انتصارًا للدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس. ويضع المملكة في موقع قوة على المستوى الدولي والإقليمي. ويؤكد مصداقية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام للنزاع في الصحراء. ويبقى النجاح النهائي مرتبطًا بقدرة المغرب على تحويل هذا الانتصار الدبلوماسي إلى واقع ملموس على الأرض. من خلال تنمية الأقاليم الجنوبية، وتعزيز المشاركة الشعبية، وضمان الاستقرار. ليصبح هذا الانتصار بداية فصل جديد ومستدام لمستقبل المملكة ووحدة أراضيها.

هذا القرار يعيد للمغرب دوره الريادي في إفريقيا والعالم العربي. ويثبت أن الدبلوماسية الحكيمة، المدعومة بالعمل التنموي الواقعي، يمكن أن تحقق انتصارات ملموسة حتى في أكثر القضايا تعقيدًا. ويؤكد أن القيادة الذكية، والقدرة على التحليل الدقيق، واستغلال الفرص الدولية والإقليمية. هي عناصر أساسية لضمان نجاح أي استراتيجية وطنية طويلة الأمد، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد