أطلقت وزارة الداخلية المغربية مشروعاً وطنياً ضخماً يهدف إلى رقمنة أرشيف الحالة المدنية. المشروع الذي خصصت له ميزانية تقارب 194 مليون درهم، يُعد أحد أكبر الأوراش الرقمية في القطاع العمومي، ويستهدف معالجة وتحويل ملايين الوثائق المكتوبة بخط اليد إلى قاعدة بيانات رقمية مؤمنة، قادرة على تسهيل الولوج إلى المعلومة وتبسيط مساطر الحصول على الوثائق.
هذا الورش يمتد ليشمل عشر جهات في المملكة، موزعة بين فاس مكناس، مراكش آسفي، سوس ماسة، طنجة تطوان الحسيمة، الجهة الشرقية، بني ملال خنيفرة، درعة تافيلالت، كلميم واد نون، الداخلة وادي الذهب، والعيون الساقية الحمراء، وهو ما يعكس رغبة في تحقيق العدالة المجالية وضمان استفادة متوازنة من التحول الرقمي. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن أكثر من 38 مليون وثيقة سيتم فهرستها ومطابقتها وتوثيقها رقمياً، في مسعى لبناء سجل وطني دقيق يُمكّن من تحديث المعطيات الشخصية للمواطنين وحمايتها في آنٍ واحد.
يأتي هذا المشروع في سياق عام يعرف فيه المغرب دينامية رقمية متزايدة، تتجه نحو رقمنة عدد من الخدمات الحيوية، ويبدو أن ورش الحالة المدنية يمثل إحدى الحلقات المركزية في هذا المسار، نظراً لكونه يرتبط ارتباطاً مباشراً بالحياة اليومية للمواطن، من الولادة إلى الوفاة، مروراً بكل الوثائق ذات الطابع الشخصي أو العائلي. كما أن تأمين هذا الأرشيف رقمياً يحد من خطر التلف أو الضياع، ويعزز قدرة الإدارة على التفاعل بسرعة وكفاءة مع طلبات المرتفقين.
الرهان لا يتعلق فقط بتسريع وتيرة الخدمات أو تخفيف الضغط على مكاتب الحالة المدنية، بل بتأسيس علاقة جديدة بين الإدارة والمواطن، تقوم على الشفافية والسرعة والدقة. وفي هذا الإطار، يبدو أن الرقمنة لم تعد مجرد خيار تقني، بل أصبحت ضرورة مؤسساتية لتجاوز أوجه القصور المتراكمة ولإعادة بناء الثقة في المرفق العمومي. وإذا ما تم تنزيل هذا المشروع بالفعالية المطلوبة، فقد يشكل نموذجاً يُحتذى به في باقي المجالات ذات الطابع الإداري، ولبنة جديدة في مسار الانتقال الرقمي بالمغرب.