بعد أن بلغت الحملة الإنتخابية للرئاسيات في الولايات المتحدة ذروتها، تضاعف السلطات الأمريكية تدابير اليقظة، من أجل التصدي لأي تدخل أجنبي، أو محاولة للتأثير على الرأي العام، واضعة نصب عينيها كلا من روسيا و الصين، و هما غريمان إستراتيجيان، فضلا عن إيران، العدو التاريخي.
في مقدمة خطوط الإتهام، توجد روسيا، التي تتهمها الولايات المتحدة بتحريض حملة على وسائل التواصل الإجتماعي، من خلال فاعلين و وسائط إعلام، تهدف إلى الترويج لـ”دعاية مناهضة لأمريكا” و “خطابات لإثارة الإنقسام”، من أجل “التأثير على أو التدخل في مجريات إنتخابات” إختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة.
و حسب وزارة الخارجية الأمريكية، فإن قناة (آر تي) الإخبارية الروسية، التي كانت تسمى سابقا “روسيا اليوم”، يرجح أن تكون قد دفعت، بوساطة شركة أمريكية ناشئة، “ملايين الدولارات لأمريكيين ينقلون، دون علمهم، رسالة الكرملين” للتأثير على الناخبين.
و إعتبر مسؤول رفيع المستوى في مكتب مدير الإستخبارات الوطنية، إن أنشطة روسيا “أكثر تطورا مما كانت عليه في الدورات الإنتخابية السابقة”، محذرا من إستخدام “أصوات أمريكيين” “لنشر” الدعاية الروسية و روايات تحرض على الإنقسام داخل المجتمع، عبر وسائل التواصل الإجتماعي الرئيسية.
و حسب هذا المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، يستخدم الكرملين أيضا “مواقع إلكترونية وهمية”، تدعي أنها هيئات إعلامية أمريكية مشروعة.
و كانت وزارة العدل الأمريكية أعلنت، مطلع شتنبر الماضي، أنها أغلقت حوالي 30 من هذه المواقع.
و إستعرض وزير العدل الأمريكي، ميريك غارلاند، مجموعة من الإجراءات ضد هؤلاء الفاعلين، لا سيما توجيه الإتهام لستة موظفين روس في قناة “آر تي”، من بينهم رئيسة تحريرها، مارغريتا سيمونيان، التي يشتبه في أنها سخرت شركة في ولاية تينيسي لبث محتوى “يحرض على الإنقسام”، و تفكيك حملة روسية للتأثير معروفة بإسم “Doppelgänger”.
يرى مسؤولون أمريكيون أن هذه الجهات تنشط بشكل خاص في الولايات المتأرجحة، أي الولايات الأمريكية التي ينقسم فيها الناخبون بين المعسكرين الجمهوري و الديمقراطي، و التي يحدد تأرجحها لصالح أحد المرشحين نتيجة الإنتخابات.
توجه واشنطن سهام النقد لروسيا، متهمة إياها بالسعي لترجيح الكفة لصالح الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي تنسجم مواقفه بشأن الحرب الروسية الأوكرانية مع القادة الروس.
من جانبها، ترفض موسكو هذه الإتهامات، مؤكدة عبر قناة (آر تي) تحديدا، أن هذه الإتهامات تندرج في صميم موقف البيت الأبيض الذي يسعى لترسيخ الكرملين كعدو أبدي للشعب و الديمقراطية الأمريكية.
و بعد وقت قصير من هذه الإتهامات، حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال كلمة أمام منتدى الشرق الإقتصادي في فلاديفوستوك (جنوب شرق روسيا)، على التذكير بأنه دعم الرئيس جو بايدن خلال انتخابات 2020.
و بما أن الرئيس الأمريكي دعا إلى دعم كامالا هاريس، يضيف الرئيس الروسي، فإن الكرملين “يميل إلى القيام بالمثل”.
من جانبه، سارع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى التنبيه بشأن “تصرفات” (آر تي)، الفاعل الذي يستخدمه الكرملين، حسب قوله، لتنفيذ عمليات إستخبارات إلكترونية سرية و التأثير في جميع أنحاء العالم، و كذلك من أجل المساعدة على إقتناء أسلحة من أجل الحرب ضد أوكرانيا.
بيد أن روسيا لا تعد المتهم الوحيد بالتدخل في الإنتخابات الأمريكية. إذ يتم توجيه أصابع الإتهام كذلك لكل من الصين و إيران، بمحاولات التحريض على الإنقسامات، لاسيما في هذه الظرفية الدقيقة المتمثلة في الإنتخابات، وفق تصريحات مسؤول مكتب مدير الإستخبارات الوطنية.
و تظهر إستنتاجات خلصت إليها وكالات الإستخبارات الأمريكية أن الصين، و على خلاف روسيا، لا تسعى إلى التأثير على مجريات الإنتخابات الرئاسية، بل بالأحرى المحلية، من خلال محاولة إضعاف المرشحين الذين تعتبرهم معادين لمصالحها.
و ترى هذه الوكالات أن الصين تحاول ربط علاقات على المستوى المحلي من أجل التصدي للأفراد الذين يعارضون مصالحها.
و أوضح مسؤول مكتب مدير الإستخبارات الوطنية أن التصور السائد بأن الأغلبية في واشنطن مناهضة لبكين “يدفعهم إلى محاولة التأثير على الإنتخابات المحلية”.
في مطلع شتنبر الجاري، أمر القضاء الأمريكي بإتخاذ إجراءات في حق المساعدة السابقة لحاكمة ولاية نيويورك، كاثي هوكول وسلفها أندرو كوومو، المتهمة بإستغلال النفوذ و التجسس لصالح بكين.
أما بالنسبة لإيران، شأنها في ذلك شأن روسيا، فإن محاولات فرض نفوذها تستند، برأي المسؤولين الأمريكيين، إلى مقاربة متعددة المحاور، تروم “تأجيج الخلاف” و “تقويض الثقة في العملية الإنتخابية”.
و في غشت الماضي، كان فريق الحملة الإنتخابية للمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، أعلن أنه تعرض لهجوم إلكتروني شنته جهات أجنبية، حددت أجهزة الإستخبارات لاحقا أنها “مقربة من طهران”.
و برأي الصحافة الأمريكية، فإن السلطات الفدرالية تستعد لتقديم شكوى ضد إيران بسبب هذه القرصنة المعلوماتية.
و يركز مكتب التحقيقات الفدرالي البحث حول اسم مستعار، “روبرت”، مرتبط بإيران، يشتبه في أنه اتصل عبر الإنترنت بصحافيين أمريكيين و إقترح تزويدهم بملفات تمت قرصنتها، تضم بيانات من حسابات البريد الإلكتروني لمستشاري ترامب.