رغم محاولات التجميل الإحصائي والتقدم الطفيف في التصنيفات الدولية، إلا أن واقع حرية الصحافة في المغرب لا يزال يرزح تحت وطأة تحالف صلب بين المال والسلطة، يتزعمه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مدعوماً بجهاز عدالة تتحرك بوصلته وفق الإيقاع السياسي لوزير العدل عبد اللطيف وهبي.
تقرير “مراسلون بلا حدود” الأخير، الذي منح المغرب رتبة 120 عالميًا في مؤشر حرية الصحافة لسنة 2025، لم يخف ما وصفه بـ”الواجهة الزائفة للتعددية الإعلامية”، ولا تجنّب تسمية المسؤولين المباشرين عن خنق الأصوات المستقلة، مشيرًا إلى استعمال النفوذ المالي للتأثير على التغطيات الصحفية، وإلى تواتر المتابعات القضائية التي تُلوّح بها وزارة العدل كسيف مسلّط على رقاب الصحفيين، في سياق انتخابي باتت فيه حرية التعبير أقرب إلى الامتياز منها إلى الحق.
بحسب التقرير، فإن المغرب، رغم تحسنه بواقع تسع مراتب مقارنة بالسنة الماضية، لا يزال متخلفًا عن دول إفريقية عديدة أقل استقرارًا سياسيًا أو اقتصاديًا، مثل السنغال والكوت ديفوار والنيجر. كما أن مقارنة موقعه على المستوى المغاربي تُبرز اتساع الفجوة مع موريتانيا، التي جاءت في المرتبة 50 عالميًا، رغم تراجعها بدورها عن تصنيف السنة السابقة.
ويُظهر ذلك أن ترتيب المغرب في هذا المؤشر لا يُعبر عن تحوّل جذري في بيئة حرية الصحافة بقدر ما يعكس تفاوتات في منهجيات التقييم أو تغيرات طفيفة في السياق الإقليمي والدولي.
التقرير لم يكتف بالوصف العام، بل وجّه اتهامًا واضحًا لرئيس الحكومة عزيز أخنوش باستخدام قوته المالية للتأثير على الخط التحريري لعدد من أبرز وسائل الإعلام الوطنية، في مقابل فرض قيود مالية خانقة على المنابر التي تُبدي استقلالية في مواقفها أو تنتقد السياسات الحكومية.
واعتبرت المنظمة أن هذا الوضع يُحوّل الإعلام إلى أداة ضمن آلة دعائية تخدم أجندة سياسية محصورة في دوائر السلطة، ويُفرغ دوره الرقابي من مضمونه، خصوصًا في ما يتعلق بتتبع ملفات الفساد وتدبير الشأن العام.
وفي ما يشبه التنبيه المباشر، ربط التقرير بين صعود حزب التجمع الوطني للأحرار إلى رئاسة الحكومة منذ انتخابات 2021، وازدياد وتيرة المتابعات القضائية في حق الصحافيين المنتقدين.
وهنا يظهر اسم وزير العدل عبد اللطيف وهبي كفاعل رئيسي في هذا المسار، حيث تُسجل السنة الحالية تزايدًا ملحوظًا في عدد القضايا المرفوعة ضد الصحفيين، ما يُثير تساؤلات حول توظيف القضاء كأداة ضبط سياسي بدل أن يكون ضامنًا للحقوق والحريات.
المنظمة حذّرت كذلك من التراجع المؤسساتي الذي شهده المغرب على مستوى التنظيم الذاتي للمهنة، حيث تم تعويض المجلس الوطني للصحافة بلجنة مؤقتة منذ سنة 2023، ما اعتُبر مؤشرًا إضافيًا على الحد من استقلالية الجسم الإعلامي وإخضاعه أكثر لمعادلات التعيين والتوجيه الفوقي.
اقتصاديًا، يرصد التقرير اختلالاً بنيويًا في البيئة الداعمة للإعلام، إذ تعاني المنابر المستقلة من صعوبة في جذب المعلنين وضمان استقرار مالي يتيح لها التطور، في وقت تستفيد فيه وسائل الإعلام القريبة من السلطة من موارد مالية مريحة ونموذج اقتصادي أكثر استقرارًا. وهو ما يكرّس واقعًا إعلاميًا يُجزى فيه الولاء ويُعاقب فيه الاستقلال.
ورغم الإشارة إلى أن الإفراج عن عدد من الصحفيين البارزين، مثل توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني، بموجب عفو ملكي في يوليوز 2024، أثار بعض الأمل في انفراج محتمل، إلا أن هذا الأمل سرعان ما تراجع مع رصد تواتر جديد في ضغوط المتابعات القضائية والقيود غير المعلنة على الصحافة، خاصة مع اقتراب انتخابات 2026. حيث يُشير التقرير إلى أن الوضع العام يتجه نحو المزيد من الرقابة الذاتية والحيطة التحريرية خوفًا من العواقب القضائية والمالية.