يتابع الخبراء باهتمام تركيز حكومات الدول العربية في شمال أفريقيا بشكل كبير على مشاريع الطاقة المستدامة، بيد أنهم يعتقدون أن المغرب سيكون الرابح الأكبر من تحول أوروبا إلى استجرار الكهرباء النظيفة من مصادر قريبة منها.
وقال تقرير لموقع العرب، أنه ورغم امتلاك المنطقة البعض من المشاريع، التي تعد بين الأكبر في العالم في هذا المجال، لكن تونس والجزائر وموريتانيا وليبيا، وباستثناء المغرب ومصر، لا تزال تسير ببطء في هذا الاتجاه، في ظل الظروف الراهنة.
ووضع المغرب بالفعل خلال السنوات الماضية الطاقة الشمسية على رأس أولوياته، ويسعى لتوليد 52 في المئة من الكهرباء النظيفة بحلول 2030، منها 20 في المئة يُتوقع أن تأتي من الطاقة الشمسية. ويجد البلد نفسه في موقع مميز حيث أن مناخه وشمس صحرائه ورياح سواحل محيطه تجعله مرشحا رئيسيا لمزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الدولية.
كما أن مدنه الساحلية وقربها من أوروبا تمنحه ميزة ليصبح مصدرا رئيسيا للطاقة الأوروبية بينما تبتعد دول القارة عن الغاز الطبيعي الروسي.
وبينما سيكون هذا نعمة للاقتصاد المغربي، ستكون كلفته كبيرة على سوق الطاقة الأفريقية.
وتقول هايلي زارمبا المتخصصة في الاقتصاد في تقرير نشرته منصة “أويل برايس” الأميركية إن بلدان شمال أفريقيا تحتاج إلى الاستثمار والصناعة بكثافة لبناء اقتصاداتها، كما أنها بحاجة إلى الطاقة لدعم تنميتها.
وبحسب التقديرات يستورد المغرب 90 في المئة من طاقته، ويبقى النصيب الأكبر منها من الوقود الأحفوري، رغم الإمكانات الهائلة للبلد في قطاع الطاقة النظيفة. ولم يشمل مزيج الطاقة المغربي في 2021 سوى 2.4 في المئة من من طاقة الرياح وأربعة في المئة من الطاقة الشمسية، لكن سعة الإنتاج في ذلك العام نمت بواقع 37 في المئة على أساس سنوي.
وتوقّعت وكالة الطاقة الدولية في أحد تقاريرها التي نشرتها في عام 2019 أن يزداد الطلب على الكهرباء في شمال أفريقيا بنسبة 35 في المئة بحلول 2030. ورجحت شركة موردر أنتيلجنس مؤخرا أن ينمو سوق الطاقة البديلة في شمال أفريقيا بمعدل نمو سنوي مركب يزيد عن 6 في المئة حتى العام 2025.
وسيرجع جزء كبير من الطلب إلى تكييف الهواء الذي من المتوقع أن يصبح أساسيا مع ارتفاع حدّة مناخ الصحراء بسبب تغير المناخ. نهج المغرب يسمح له بوضع نفسه كمركز صناعي لاستثمار صادرات المنتجات الصناعية الخضراء نهج المغرب يسمح له بوضع نفسه كمركز صناعي لاستثمار صادرات المنتجات الصناعية الخضراء .
وترى زارمبا أن هذا يعني أن نمو الطاقة المتجددة يبقى الطريق الأساسي لمساعدة المنطقة على تلبية احتياجاتها من الطاقة دون إهمال أهدافها المناخية. وتوجد بالفعل مشاريع رئيسية للطاقة المتجددة في دول شمال أفريقيا، وصُممت العديد منها لتلبية الطلب الأفريقي المتزايد وتقليل بصمة القارة الكربونية.
لكن هذه الطاقة تُرسل إلى الأسواق الأوروبية التي تكافح لاستعادة أمن الطاقة من مصادر متعددة تشمل الشرق الأوسط وأفريقيا لفطم نفسها عن الإمدادات الروسية عقابا لموسكو التي شنت حربا على أوكرانيا قبل أكثر من عام.
وأطلق الاتحاد الأوروبي الأربعاء الماضي أول مناقصة دولية لشراء الغاز بشكل جماعي تغطي الطلب الإجمالي لنحو 80 شركة أوروبية، للحصول على أسعار أفضل لتجديد المخزون قبل الشتاء المقبل.
وفعليا يصدّر المغرب في الوقت الحالي الكهرباء إلى أسواق أوروبا عبر خطين يمتدان إلى إسبانيا، وكان قد وقّع العام الماضي على اتفاقية لتوسيع شبكة الإمدادات إلى دول الاتحاد. والشهر الماضي، حصل مشروع لربط الكهرباء المنتجة من المصادر المستدامة بين المغرب وبريطانيا على التمويل اللازم من شركة طاقة الإماراتية وحليفتها مجموعة أكتوبوس إنيرجي بقيمة تتخطى نحو 37 مليون دولار.
ويعد هذا الاستثمار أول مشروع من نوعه في العالم لنقل الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة عبر مسافات طويلة وتصديرها عبر الحدود لتلبية الطلب المتزايد على خدمات الكهرباء.
ويربط المشروع، الذي سيولد 10.5 غيغاواط حينما يبدأ التشغيل في 2027، بين البلدين انطلاقا من جهة كلميم واد نون المغربية، ومن المقرر أن تمر الكابلات بكل من البرتغال وإسبانيا وفرنسا لمسافة تتجاوز 3800 كيلومتر.
وذكرت مجلة “ييل 360” الأميركية المختصة في عالم البيئة في تقرير نشرته مؤخرا على منصتها الإلكترونية أن للمغرب شبكة طاقة إقليمية يمكنه بفضلها إرسال كهرباء خضراء إلى معظم الدول في غرب أفريقيا، بينما ترتبط مصر بمعظم شرق القارة.
وأكّدت “ييل” أن صادرات البلدين اللذين يسعيان لتوسيع خارطة المشاريع المتعلقة بتأمين الطاقة من خلال المصادر النظيفة، من الكهرباء مخصصة للأسواق الأوروبية بدلا من ذلك.
وبينما يرحّب العديد من السياسيين وقادة الأعمال المغاربة بهذا الاتجاه، تبدو التوقعات أكثر حدّة بالنسبة إلى شمال أفريقيا، التي لن تستفيد من التعاملات التجارية مع أوروبا. وتؤكد زارمبا أن حجم مشاريع الطاقة النظيفة المُخطط لها في المغرب يدلّ على أنّ المنطقة عليها أن تستعد لجولة جديدة من الاستيلاء على الأراضي.
وأفادت منصة ماكنزي عن الطاقة الشمسية ومزارع الرياح في الولايات المتحدة بأنها تتطلب ما لا يقل عن عشرة أضعاف مساحة محطات الطاقة التي تعمل بالفحم أو بالغاز، بما في ذلك الأراضي المستخدمة لإنتاج الوقود الأحفوري ونقله. وأوضح خبراء ماكنزي أنه “غالبا ما تمتدّ توربينات الرياح على مسافة نصف ميل، بينما تمتدّ مزارع الطاقة الشمسية الكبيرة على مساحة آلاف الأفدنة”.