في واقعة غير مسبوقة أثارت ضجة واسعة في الأوساط الأكاديمية والتقنية، تسللت روبوتات ذكاء اصطناعي إلى نقاشات فكرية حيّة داخل منتدى r/ChangeMyView على منصة Reddit، دون علم المستخدمين أو إدارة الموقع. التجربة التي امتدت لأربعة أشهر، كشفت هشاشة النقاشات الرقمية أمام الذكاء الاصطناعي، وأثارت تساؤلات أخلاقية وسياسية ونفسية معقدة حول من يتحكم في الرأي العام داخل الفضاء الافتراضي.
وراء هذه التجربة يقف فريق بحثي من جامعة زيورخ في سويسرا، ضم علماء من مجالي علم النفس وعلوم الحاسوب، قاموا بتصميم 13 روبوت دردشة بقدرات لغوية متقدمة، وهوّيات وهمية مقنعة، ثم أطلقوها داخل المنتدى دون إبلاغ المشاركين. الروبوتات نشرت ما يزيد عن 1700 تعليق خلال الفترة الممتدة من نوفمبر 2024 إلى مارس 2025، وقد نجحت في محاكاة السلوك البشري بشكل جعلها تمرّ دون إثارة الشكوك.
الأمر المثير للقلق أن أكثر من 100 مستخدم تفاعلوا مع الروبوتات بشكل طبيعي، ووافقوا على آرائها أو دخلوا معها في نقاشات مطوّلة، معتقدين أنهم يتحاورون مع بشر حقيقيين. وبعد كشف تفاصيل التجربة، سارعت إدارة Reddit إلى حظر جميع الحسابات المرتبطة بالروبوتات، ووصفت ما حدث بأنه خرق واضح لأخلاقيات الاستخدام الرقمي.
ردود الفعل لم تقتصر على الغضب، بل شملت مطالبات بتحقيقات أكاديمية ومساءلات قانونية. المشرفون على المنتدى المعني تقدموا بشكوى رسمية إلى جامعة زيورخ، مطالبين بعدم نشر نتائج الدراسة، وهو ما امتثل له الباحثون لاحقًا، وسط انقسام داخل المجتمع العلمي بين من يرى في التجربة خرقًا للثقة، ومن يعتبرها جرس إنذار ضروريًا.
بعيدًا عن تفاصيل الواقعة، فإن تداعياتها تمتد إلى أسئلة أعمق حول مستقبل النقاش الرقمي. سياسيًا، قد يشكّل هذا النوع من التلاعب الأرضية المثالية للتأثير على الرأي العام، خاصة في الفضاءات المفتوحة للنقاش الحر. اقتصاديًا، تتزايد المخاوف من توظيف روبوتات مشابهة في حملات ترويجية مزيفة أو مراجعات مُضلِّلة. أما نفسيًا، فقد كشفت التجربة عن هشاشة الإنسان في التمييز بين الخطاب الحقيقي والمزيف، وعن ميله الفطري لتصديق ما يبدو مقنعًا وإن كان صادرًا عن آلة.
في النهاية، ما جرى ليس مجرد تجربة تقنية، بل لحظة كاشفة في تطور الذكاء الاصطناعي داخل الفضاء العمومي الرقمي. لحظة تدعونا للتساؤل بجدية: من يدير النقاشات اليوم، وهل ما نقرأه ونصدقه هو حقًا صوت الإنسان، أم مجرد صدى ذكي لخوارزمية تُحسن التخفي والتمويه.