مع اقتراب موعد الانتخابات، يبرز تساؤل كبير حول مستقبل المشهد السياسي في المغرب. هل سيتشكل أفق سياسي واضح يعيد للحياة السياسية ديناميكيتها، أم أن البلاد ستظل محاصرة في حالة من الضبابية التي تمنع أي تقدم حقيقي؟ المشهد السياسي المغربي في الوقت الحالي يعكس حالة من الجمود، على الرغم من التغييرات التي شهدتها الساحة السياسية بعد الانتخابات الأخيرة.
الأحزاب الكبرى، مثل التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، هي التي تسيطر على الحكومة الحالية، ولكن نجاح هذه الأحزاب في فرض نفسها على الساحة السياسية يظل محل تساؤل، خصوصًا في ظل الانقسامات الداخلية والفشل في تقديم حلول جذرية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
التجمع الوطني للأحرار، رغم قيادة الحكومة، يظل حزبًا يعتمد بشكل كبير على شخص رئيسه عزيز أخنوش، الذي لا يملك قاعدة شعبية واسعة كما كان يُعتقد، وهو ما يظهر في عدم قدرته على ترسيخ مشروع سياسي ثابت.
ويظل التركيز على التكنوقراط والسياسات الاقتصادية التي يُقال إنها تخدم مصالح كبار المستثمرين دون الالتفات بشكل جدي إلى الطبقات الشعبية الفقيرة أو المتوسطة. الأصالة والمعاصرة، من جهته، يظل يحاول الحفاظ على مكانته السياسية من خلال تحالفات مصلحية، رغم أن أغلب قواعده لم تتفاعل بعد مع التغييرات التي قد تساهم في تجديد نفسه. حزب الاستقلال، رغم تاريخه الطويل في الساحة السياسية، يواجه صعوبة في التأقلم مع التحديات الحالية، حيث يظل في كثير من الأحيان يحاول الحفاظ على توازنه بين التقاليد السياسية والواقع الجديد.
لكن ما يلفت الانتباه هو أن هذه الأحزاب الكبرى لا تقدم حلولًا واضحة للمشاكل التي يعاني منها المواطنون. في ظل الأزمات الاقتصادية المستمرة، والمشاكل الاجتماعية التي تتفاقم، هناك إحساس قوي بأن هذه الأحزاب غير قادرة على تقديم إجابات حقيقية.
وعليه، يبدو أن التغيير الجذري في السياسات العامة ما زال بعيدًا، مما يفتح المجال لإعادة طرح الأسئلة حول مصير المغرب السياسي في المستقبل.
على الرغم من هيمنة الأحزاب الثلاثة على الحكومة، تظل هناك قوى أخرى قد تكون قادرة على إعادة تشكيل المشهد السياسي. حزب العدالة والتنمية، رغم تراجعه الكبير في الانتخابات الأخيرة، لا يزال يحتفظ بقاعدة شعبية قوية، وقد يجد في المستقبل القريب فرصة للعودة إلى الساحة السياسية إذا تمكن من إعادة بناء نفسه على أسس جديدة.
حزب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، بدورهما، لا يزالان يسعيان لاستعادة مكانتهما في الساحة السياسية بعد تراجع نفوذهما، لكن في حين يعاني الاتحاد الاشتراكي من بعض التحديات في إيجاد رؤية موحدة، فإن حزب التقدم والاشتراكية يظهر بوضوح في موقفه الثابت والمتماسك.
حزب التقدم والاشتراكية ظل وفيًا لمبادئه الاشتراكية ومواقفه الوطنية، مؤكدًا في أكثر من مناسبة على أهمية العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وكان دائمًا من المدافعين عن قضايا الطبقات الشعبية. في السنوات الأخيرة، قدم الحزب مشاريع وبرامج تهدف إلى معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية بطريقة تكاملية، لا تقتصر فقط على الحلول الاقتصادية، بل تشمل أيضًا الرؤية الاجتماعية التي تضمن تكافؤ الفرص وتقليل الفوارق بين الفئات الاجتماعية المختلفة. مواقفه المبدئية، والتي تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي للمواطنين، تجعل الحزب أحد الأطراف التي قد تلعب دورًا مهمًا في تشكيل المشهد السياسي المقبل إذا تمكن من تجديد نفسه بالشكل الذي يواكب التحديات المستقبلية.
ما يزيد من تعقيد الصورة هو حالة الضبابية التي تسود الساحة السياسية المغربية. على الرغم من التحولات التي قد تحدث في المستقبل القريب، إلا أن غياب الأفق الواضح لمشاريع إصلاحية حقيقية يجعل من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه الوضع في السنوات القادمة. كل حزب من الأحزاب الكبرى يسعى لتقديم نفسه كحل للأزمات الحالية، لكن غياب الثقة بين الحكومة والمواطنين قد يظل عقبة كبيرة أمام أي تحول سياسي حقيقي. كما أن غياب أي مشاريع سياسية موحدة ومبنية على رؤية واضحة للمستقبل يجعل الأحزاب في حالة تفاعل مؤقتة، بدلًا من أن تشكل جسورًا لتعاون طويل الأمد مع الشعب.
إن كانت الأحزاب السياسية المغربية ستتمكن من تجاوز حالة الركود التي تمر بها أم أنها ستظل تتخبط في نفس الخطابات الفارغة التي لا تترجم إلى تغييرات ملموسة، يبقى سؤالًا محوريًا. الحلول المبتكرة والقدرة على تحفيز الناس على المشاركة الفاعلة في السياسة قد تكون هي السبيل الوحيد لضمان استقرار سياسي حقيقي. وإذا استمرت الأحزاب السياسية في تجاهل مطالب الشعب وتحليل الأزمات بشكل سطحي، فإن الفراغ السياسي قد يستمر، مما سيترك الساحة مفتوحة لمزيد من الاستقطاب والانقسامات.