أكدت وفاء جمالي، المديرة العامة للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، أن المغرب يعيش اليوم ما وصفته بـ”ثورة اجتماعية هادئة”، جوهرها الانتقال من منطق الإعانة المؤقتة إلى مقاربة شمولية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، ترتكز على الاستهداف الدقيق، والتمويل المستدام، والمواكبة الترابية القريبة من المواطن.
تصريحات جمالي جاءت خلال مشاركتها في اليوم الدراسي الذي نظمه الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بشراكة مع المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، حيث قدمت عرضًا مفصلًا حول توجهات الوكالة المحدثة مؤخرًا، مدعومًا بالمعطيات والأرقام التي تعكس حجم التحول الذي يشهده ورش الحماية الاجتماعية في المغرب.
في مداخلتها، شددت المسؤولة على الطابع البنيوي لهذا الورش الذي يندرج ضمن أولويات الدولة، مشيرة إلى أن الوكالة تعمل على تفعيل الرؤية الملكية الرامية إلى تقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة الترابية، وذلك في انسجام مع ما حدده الملك محمد السادس في خطابه لافتتاح الدورة التشريعية لأكتوبر 2023.
وأوضحت أن نظام الاستهداف الموحد مكّن من توجيه الدعم بدقة أكبر، مشيرة إلى تخصيص غلاف مالي غير مسبوق بلغ 25 مليار درهم برسم سنة 2024، يتم صرفه حاليًا على شكل دعم شهري مباشر لنحو 4 ملايين أسرة، تمثل حوالي ثلث سكان المملكة.
وقدمت جمالي تفصيلًا دقيقًا للمستفيدين، مبرزة أن أكثر من 2.4 مليون أسرة تستفيد من التعويضات العائلية، فيما تتلقى 1.5 مليون أسرة المنحة الجزافية، وتشمل هذه الفئات أزيد من مليون مُسن، إلى جانب أزيد من 400 ألف أرملة من بينهن 87 ألف أرملة تعيل أكثر من 96 ألف يتيم.
كما شددت على أن الورش يستند إلى مبادئ الحكامة الجيدة والشفافية والفعالية، معتبرة أن التوجيهات الملكية وضعت المغرب في مصاف الدول الرائدة إقليميًا وإفريقيًا، حيث بات يحتل المرتبة الثانية من حيث نسبة مخصصات الدعم المباشر من الناتج الداخلي الإجمالي، والتي تبلغ 2%.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، أكدت جمالي أن المشروع لا يزال في طور التفعيل التدريجي، مشيرة إلى أن المرحلة المقبلة ستركز على ثلاثة رهانات أساسية. أولها، تكريس سياسة القرب عبر إحداث تمثيليات ترابية للوكالة، بدعم من وزارة الداخلية، لضمان تدبير إنساني وشخصي للدعم يراعي خصوصيات كل أسرة.
الرهان الثاني، كما أوضحت، هو تعزيز الأثر الاجتماعي للدعم، حيث استعرضت نموذجًا حقيقيًا لأسرة دخلها لا يتجاوز 2500 درهم، وتستفيد من دعم شهري بقيمة 636 درهم، مشددة على أن هذا المبلغ لا يمكن أن يحدث فرقًا جوهريًا دون تتبع اجتماعي يضمن التمدرس والتغذية والتلقيح والحماية من الهشاشة.
أما الرهان الثالث، فيتعلق بالمواكبة الاقتصادية للأسر، عبر التفكير في حلول تضمن الإدماج في سوق الشغل، ودعم مبادرات الدخل الذاتي، وتوفير الخدمات الأساسية كرياض الأطفال والنقل، بهدف تحويل الدعم إلى رافعة للتمكين، لا مجرد إعانة ظرفية.
وختمت جمالي بالتأكيد على أن نجاح هذا الورش هو “نجاح جماعي”، لأنه لا يقتصر على صبّ التحويلات المالية، بل يسعى إلى بناء نموذج وطني للحماية الاجتماعية، منسجم مع خصوصيات المغرب، وقادر على ضمان العدالة والاستقرار الاجتماعيين على المدى البعيد.