يشهد المغرب في السنوات الأخيرة حالة من الجمود السياسي، حيث تراجعت النخب السياسية عن أدوارها في رسم السياسات العامة، لتحل محلها هيمنة الخطاب الشعبوي الذي يعتمد على وعود براقة ولكنها غير واقعية. الأحزاب السياسية، التي كان يُفترض أن تكون محركًا رئيسيًا للتغيير والتنمية، تعاني من ضعف في التأثير السياسي، رغم تاريخها العريق. هذا الضعف ناتج عن انشغالها بالمعارك الانتخابية التي تركز على المال والسيطرة على الأصوات بدلًا من البرامج السياسية الجادة. فالأحزاب التي تفتقر إلى الكفاءات تلجأ إلى شراء الأصوات، مما يشوه العملية الانتخابية ويؤدي إلى فوز الأحزاب ذات الإمكانيات المالية على حساب تلك التي تعتمد على برامج مدروسة.
في المقابل، يفقد الشباب المغربي، الذي يشكل نسبة كبيرة من الناخبين، الثقة في النخب السياسية بسبب غياب التفاعل الجاد معهم. وفقًا لتحليلات من مؤسسات رسمية ، فإن نسبة المشاركة في الانتخابات تظل منخفضة، خاصة بين الشباب، بسبب هذا الفقدان للثقة. الشباب يفضلون الأحزاب الشعبوية التي تقدم وعودًا جذابة، ولكنها على المدى الطويل لا تعكس التحديات الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي يواجهها المجتمع المغربي. هذه التحديات، مثل ارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى الخدمات العامة، تتطلب حلولًا جذرية وبرامج اقتصادية واقعية وقابلة للتنفيذ.
إضافة إلى ذلك، تعتبر ظاهرة شراء الأصوات من أخطر المشكلات التي تواجه العملية الانتخابية في المغرب. هذه الظاهرة لا تؤدي فقط إلى تشويه الانتخابات، بل تساهم أيضًا في تآكل الثقة في النخب السياسية بشكل عام. لذا من الضرورة إصلاح النظام الانتخابي لضمان شفافية أكبر، من خلال تعزيز الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية ومعاقبة من يلجأ إلى شراء الأصوات. هذا الإصلاح يمكن أن يساهم في خلق بيئة سياسية أكثر صحية وتعزيز ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية.
من جهة أخرى، يظل دور المجتمع المدني حاسمًا في الضغط على الأحزاب السياسية لتبني سياسات أكثر شفافية ومساءلة. فهناك منظمات وجمعيات تدعو إلى تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار السياسي، وإشراك الشباب عبر منصات تفاعلية وبرامج توعوية. هذا الإشراك يمكن أن يساعد في استعادة الثقة بين النخب السياسية والمواطنين، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المغرب.
لا شك أن الطريق أمام الأحزاب المغربية التي تسعى لتقديم بدائل سياسية جادة لا يزال طويلًا. إنها بحاجة إلى تحديث خطابها واستراتيجياتها للتواصل مع المواطنين، والتركيز على القضايا المجتمعية الملحة مثل البطالة والتعليم والصحة. كما أن الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في إصلاح الأنظمة السياسية يمكن أن تكون نموذجًا للمغرب. فالدول التي نجحت في تقليل تأثير المال السياسي وتعزيز مشاركة الشباب تقدم دروسًا قيمة يمكن الاستفادة منها.
في النهاية، إذا استمرت الأحزاب في التمسك بالخطاب الشعبوي أو اللجوء إلى المال السياسي، فإن المغرب سيظل حبيسًا في دائرة الفشل السياسي الذي لا يسهم في تحقيق التقدم والتنمية المستدامة. الإصلاحات الهيكلية، سواء في النظام الانتخابي أو في استراتيجيات الأحزاب، هي المفتاح لاستعادة الثقة وتحقيق تقدم حقيقي في التنمية السياسية والاقتصادية.