الحدث بريس – متابعة
بالرغم من الظروف الاستثنائية التي رافقت جائحة كورونا، ألحت مؤسسة منتدى أصيلة على رسم طريق التخلص من الآثار النفسية للحجر الصحي مستندة إلى الفن لزرع الأمل في نفوس الزيلاشيين.
ولم تخلف المدينة العتيقة لأصيلة هذه السنة موعدها مع الجداريات، التي دأبت مؤسسة منتدى أصيلة على استدعاء فنانين مغاربة وأجانب لإنجازها لزخرفة جدران البيوت والحارات بها على مدى العقود الأربعة الماضية، لكن جداريات هذا العام كانت في جلها من إبداع فنانين زيلاشيين مخضرمين، وثلة من اليافعين والأطفال المبدعين، غمسوا ريشاتهم في ألوان الأمل لتزيين طريق الخلاص من التبعات النفسية للجائحة.
في هذا السياق، أشار التشكيلي الزيلاشي محمد العنزاوي، والمشرف على ورشة الجداريات والصباغة بمؤسسة منتدى أصيلة، أن دورة هذا العام “استثنائية” لأن الجائحة فرضت على العالم، والمغرب بطبيعة الحال، وقف كل الاحتفاليات والمهرجانات، مبرزا أن المؤسسة، برئاسة أمينها العام السيد محمد بنعيسى، قررت الخروج من ضائقة الجائحة بنشاط يشرف عليه فنانون محليون بغية الترويح عن الناس ومنحهم جو البهجة والسرور.
الجدارية التي رسمتها ريشة التشكيلي العنزاوي مستوحاة من اللوحة الشهيرة لبابلو بيكاسو المناهضة للحرب بعنوان “غيرنيكا”، مع تغيير بعض ملامح شخوصها وإلباسهم أقنعة واقية لتتماشى والتهديد الذي تشكله الجائحة على العالم.
الفنانة اليافعة هبة الفخاري، وهي تضع اللمسات الأخيرة على جدارية شاركت فيها برسم حمامة سلام تحلق في سماء مدينة ذات معمار مغربي أصيل، تحاول تجسيد شعار هذه الدورة “كورونا .. المواجهة والأمل”، تقول للناس عبر الرسم أن “الأمل هو أفضل وسيلة للتغلب على الفيروس، والفن يبقى طريقة فضلى للتعبير عن المعاناة بعد الجائحة، وهذه النسخة المصغرة من موسم أصيلة مناسبة للتخفيف عن الإحساس بالفقد الذي انتابنا خلال الحجر المنزلي”.
في السياق ذاته، اختار الفنان التشكيلي حكيم غيلان المشاركة في جداريات أصيلة عبر تيمة “القطط اللعوبة” على خلفية بلون أصفر طاغ على العين، معتبرا أن الغرض تمرير رسالة واضحة للحفاظ على جذوة الأمل متقدة وإبقاء روح المرح في إطار الجائحة، مضيفا “لقد اخترت القطط لأنها حيوانات معروفة بروحها المرحة وقدرتها على إدخال الفرح والسرور على الإنسان”.
القطط التي رسمها هذا الفنان ستتجاوز حدود هذه الجدارية لتتجول بين أسوار المدينة العتيقة، إذ يخفي حكيم غيلان مفاجأة لسكان وزوار المدينة الأطلسية، تتمثل في رسم 70 قطا بمختلف الأزقة، وإطلاق مسابقة مفتوحة أمام الجميع لإيجاد أكبر عدد من القطط ومشاركة الصور على منصات التواصل الاجتماعي للفوز بلوحة فنية أصلية.
بينما يجسد الفنان المتخصص في الجداريات، عبد القادر الأعرج، وهو واحد من بين ثلاثة فنانين قاطنين خارج أصيلة يشاركون في هذه الدورة، إحساسه بالانتماء إلى هذه الحاضرة وتفاعله مع عمرانها وناسها وألوانها وأشكالها، وهو الذي دأب منذ 40 سنة على إبداع جداريات تزين أسوارها على مدى العام، موضحا أن موضوع الجدارية هو “مدينة أصيلة ذاتها، المدينة الفنية بعمرانها وأقواسها وأزقتها، فأنا لا اختار الألوان والأشكال، بل فقط أرسم ما أحس وأنا فيها، أصيلة في حد ذاتها لوحة فنية”.
أصيلة، مدينة مفعمة بالفن والثقافة، والجداريات أحد محاور الأنشطة التي سطرتها مؤسسة منتدى أصيلة لمساعدة الناس على تجاوز جائحة كورونا، إلى جانب المعارض ووضع منحوتات بأهم مدارات مدينة أصيلة وفق تصريح توفيق لوزاري، النائب الثاني للامين العام للمؤسسة، مشددا على أن كل الأنشطة تتم وفق التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية كلبس الكمامة والتعقيم والتباعد الجسدي.
ويبدو من هذا الاهتمام الشعبي بالفنون ومشاركة الفنانين والأهالي في أنشطة الجداريات أن المؤسسة ربحت رهان مواجهة فيروس كورونا بالفن، فهدف هذه الأنشطة – التي تمتد من 15 إلى 30 يوليوز حسب السيد توفيق لوزاري – يكمن في التخفيف من وطأة الحجر عن سكان المدينة وزوارها، وخلق البهجة في نفوس الأطفال والشباب، وإشراك الفنانين المحليين، المخضرمين واليافعين، في تزيين وتجميل المدينة وخلق جو من السرور والبهجة لتجاوز الجائحة.
إن كانت الجائحة قد منعت، على غير العادة، توافد الفنانين والمثقفين من مختلف بقاع المعمور على الموسم الدولي لأصيلة، فإن أبناء المدينة كانوا في الموعد للحفاظ على تقليد سنوي شكل منبع صيت المدينة الأطلسية على مدى العقود الماضية، تقليد الجداريات الذي ساهمت من خلاله مؤسسة منتدى أصيلة في دمقرطة الفن التشكيلي وتقريبه من عموم الناس.