في مشهد سياسي يعكس استمرار واحدة من أطول فترات الحكم في القارة الإفريقية، أعلن المجلس الدستوري في الكاميرون، اليوم الاثنين، عن إعادة انتخاب الرئيس بول بيا لولاية ثامنة على التوالي، ما قد يُبقيه في سدة الحكم حتى اقترابه من عامه المئة.
وجاء الإعلان الرسمي على لسان رئيس المجلس الدستوري، كليمنت أتانغنا، الذي قال خلال جلسة إعلان النتائج بالعاصمة ياوندي: “نعلن أن الرئيس المنتخب هو المرشح بول بيا”. وبذلك يمدّد بيا، البالغ من العمر 92 عامًا، فترة حكمه المستمرة منذ 1982، في بلد يشهد أحد أكثر الأنظمة السياسية ثباتًا واستمرارية في إفريقيا، رغم التحولات الإقليمية والدولية الكبرى.
يُعتبر بول بيا من الشخصيات التي ترمز إلى الاستمرارية السياسية في إفريقيا الفرنكوفونية، حيث تمكن خلال أكثر من أربعة عقود من ترسيخ نظام رئاسي قوي يتركز حول شخصه وحزبه الحاكم، التجمع الديمقراطي الشعبي الكاميروني (RDPC). وقد استطاع الرئيس، الذي تولّى السلطة خلفًا لأحمدو أهيجو، أن يُحافظ على موقعه رغم الأزمات الداخلية المتتالية التي عرفتها البلاد، من بينها النزاع في المناطق الناطقة بالإنجليزية، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، فضلًا عن الانتقادات الحقوقية المتكررة.
في عام 2008، أقدم بيا على خطوة مفصلية حين ألغى الحد الأقصى لعدد الولايات الرئاسية من الدستور، ما أتاح له الترشح لعدد غير محدود من المرات. ومنذ ذلك الحين، حافظ على تفوقه الانتخابي بفوارق واسعة أمام منافسيه، في اقتراعات غالبًا ما تشوبها اتهامات بعدم الشفافية وضعف المنافسة الحقيقية.
ويرى محللون أن إعادة انتخابه الأخيرة لم تكن مفاجئة، إذ تظل أجهزة الدولة والإدارة المحلية والجيش تحت سيطرته الكاملة، في وقت تعاني فيه المعارضة من التشتت والانقسام، فضلاً عن غياب زعيم سياسي قادر على منافسة شخصيته المهيمنة.
ورغم تقدمه في السن، يظهر بول بيا نادرًا في المناسبات العامة، ويدير شؤون الدولة في الغالب من قصر إيتودي الرئاسي أو من إقامته الخاصة في جنيف، ما يثير تساؤلات مستمرة حول حالته الصحية ومستقبل القيادة في الكاميرون. غير أن أنصاره يؤكدون أنه يمثل عامل استقرار في بلد متعدد الأعراق واللغات، يشهد تحديات أمنية في الشمال على الحدود مع نيجيريا بفعل نشاط جماعة بوكو حرام، وفي الغرب بسبب الأزمة الانفصالية في المناطق الناطقة بالإنجليزية.
من جهة أخرى، تُطرح تساؤلات متزايدة حول مرحلة ما بعد بيا، خصوصًا مع تقدّمه الكبير في العمر، وغياب آلية واضحة لانتقال السلطة داخل الحزب الحاكم أو النظام السياسي. ويرى بعض المراقبين أن استمرار النظام الحالي دون إصلاحات مؤسسية قد يعرّض البلاد لاضطرابات محتملة في حال حدوث فراغ سياسي مفاجئ.
بهذا الفوز الجديد، يدخل بول بيا التاريخ كأحد أقدم القادة في العالم من حيث مدة الحكم وسنه المتقدمة، إذ قد يبلغ المئة تقريبًا مع نهاية ولايته المقبلة. وبينما يعتبره البعض رمزًا للاستقرار والدهاء السياسي، يراه آخرون تجسيدًا لإشكالية التداول الديمقراطي للسلطة في إفريقيا، حيث لا تزال شعوب كثيرة تطمح إلى تجديد نخبها السياسية وإرساء مؤسسات حكم أكثر شفافية ودينامية.