شهدت الدبلوماسية المغربية تحولًا إستراتيجيًا بارزًا في السنوات الأخيرة، حيث أعادت المملكة تعريف تحالفاتها التقليدية، و وسعت شراكاتها الدولية، و جعلت سيادتها على الصحراء المغربية محورًا أساسيًا في سياستها الخارجية.
إعادة التوازن في العلاقات مع فرنسا:
لطالما كانت العلاقات المغربية الفرنسية قائمة على تاريخ طويل، لكن في 13 يناير 2025، أشار الصحفي أنطوان غلاسر في مناقشة على قناة “فرانس 24” إلى تحول في الموقف الفرنسي.وفقًا له، دفع الواقع الجيوسياسي باريس إلى إعادة النظر في موقفها من الصحراء المغربية، خاصة بعد إعتراف مدريد و برلين بسيادة المغرب، مما جعل باريس تخاطر بالعزلة الإقتصادية و الدبلوماسية.
هذا التحول تجسد في زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط في أكتوبر 2024، حيث أكد أمام البرلمان المغربي أن “الحاضر و المستقبل” للصحراء الغربية “يخضعان لسيادة المغرب”، مما لاقى ترحيبًا واسعًا من النواب.كما تم توقيع اتفاقيات بقيمة 10 مليارات يورو، مما يعكس إعادة ترتيب العلاقات بين البلدين.
تنويع الشراكات: واشنطن، تل أبيب، بكين، و موسكو :
لم تقتصر الدبلوماسية المغربية على تعزيز العلاقات مع فرنسا، بل سعت إلى تنويع شراكاتها.في ديسمبر 2020، إعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مما شكل نقطة تحول هامة.في نفس السياق، استأنفت الرباط علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، مع التركيز على التعاون في مجالات الأمن، التكنولوجيا، و الزراعة.
كما عززت المملكة علاقاتها مع الصين و روسيا، حيث تشارك في مبادرة “الحزام و الطريق” الصينية، و تبني علاقات إستراتيجية مع موسكو، مما يعكس رغبتها في التواصل مع جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
القيادة المغاربية و التواجد في إفريقيا :
على الصعيد الإفريقي، يتبنى المغرب دورًا قياديًا، حيث لعب دورًا في الوساطة خلال الأزمة الليبية، و ساهم في التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الفصائل المتنازعة.كما عززت المملكة وجودها الإقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة في قطاعات البنوك، الإتصالات، و الطاقة.
من أبرز المشاريع الإستراتيجية هو مشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي سيمر عبر عدة دول في غرب إفريقيا قبل الوصول إلى أوروبا، مما يعزز مكانة المغرب كمركز للطاقة و اللوجستيات.
التحول الاقتصادي و الطموح القاري :
إقتصاديًا، شهدت المملكة تحديثًا كبيرًا، حيث أصبحت الدار البيضاء تُلقب بـ”وول ستريت الإفريقية”، مما جذب الشركات متعددة الجنسيات و المؤسسات المالية.تساهم مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ، القطارات عالية السرعة، و الطاقة المتجددة في تعزيز موقع المغرب كمركز لوجستي بين أوروبا و إفريقيا.
القوة الناعمة والتأثير الثقافي:
تعتمد المملكة أيضًا على قوتها الناعمة من خلال الثقافة، الرياضة، و الجالية المغربية.أدى الأداء المتميز لمنتخب “أسود الأطلس” في كأس العالم 2022 إلى تعزيز صورة المغرب عالميًا.كما أن المملكة تشارك في تنظيم كأس العالم 2030 مع إسبانيا و البرتغال، مما يرسخ تأثيرها على المدى الطويل.
على الصعيد الثقافي، يدافع المغرب عن تراثه اللامادي في منظمة اليونسكو، بدعم من شخصيات مؤثرة مثل أودري أزولاي، المديرة العامة للمنظمة و إبنة المستشار الملكي أندري أزولاي.تلعب الجالية المغربية، خاصة اليهودية، دورًا متزايدًا في تعزيز العلاقات مع إسرائيل، فرنسا، و الولايات المتحدة.
في ظل التحولات الجيوسياسية الكبرى، يبرز المغرب كقوة إقليمية جريئة، مؤكدة مصالحها دون التخلي عن تحالفاتها التقليدية، بل مع إعادة تشكيلها لصالحها.من خلال وضع الصحراء في قلب دبلوماسيتها، و تنويع شركائها، وتعزيز قوتها الإقتصادية و الثقافية، ترسم المملكة طريقًا فريدًا و طموحًا في عالم متغير.