شهدت الأسواق العالمية خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار المواد الأولية، مما أثر بشكل كبير على الاقتصادات العالمية. بينما استفادت الدول المنتجة لهذه المواد، تواجه الدول المستهلكة، مثل المغرب، تحديات اقتصادية جسيمة. في هذا التقرير، نسلط الضوء على تأثير ارتفاع أسعار المواد الأولية على الاقتصاد المغربي، مع تقديم معطيات وأرقام حصرية تبرز واقع التأثيرات الاقتصادية، وكيفية تكيف المملكة مع هذه التحولات.
ارتفاع أسعار المواد الأولية: الوضع العالمي
بحسب تقرير البنك الدولي الصادر في يناير 2024، شهدت أسعار السلع الأولية العالمية زيادة حادة بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، أبرزها الحرب الروسية-الأوكرانية، اضطرابات سلسلة التوريد، والتحديات المرتبطة بجائحة كوفيد-19. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 30% في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، بينما استمرت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع بمعدلات تجاوزت 20% في 2023. هذه التقلبات السريعة والمتواصلة تؤثر بشكل مباشر على الدول المستهلكة، بما في ذلك المغرب.
تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على المغرب
في عام 2024، وصل متوسط سعر النفط الخام إلى حوالي 90 دولارًا للبرميل، مقارنة بمتوسط 60-70 دولارًا في السنوات السابقة. وبالرغم من بعض الانخفاضات الطفيفة في بداية 2025، ما زال سعر البرميل يتراوح بين 85-95 دولارًا، مما يزيد بشكل ملحوظ من فاتورة واردات الطاقة للمغرب.
وفقًا لتقارير البنك المركزي المغربي، بلغت فاتورة واردات الطاقة حوالي 14 مليار دولار أمريكي في 2024، ما يمثل 15% من إجمالي الواردات. هذه الزيادة في تكاليف الطاقة أثرت بشكل مباشر على قطاعات النقل والصناعة، حيث ارتفعت تكاليف الإنتاج بنسبة 10% في 2024، وفقًا لاتحاد الصناعات المغربية.
—
ارتفاع أسعار المواد الغذائية: تحديات للأسر المغربية
ارتفعت أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية بنسبة 21% في 2023، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO). تأثرت بذلك أسعار القمح، والذرة، والزيوت النباتية، التي تعتبر مواد أساسية في الاستهلاك اليومي للمغاربة. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار القمح بنسبة 25%، بينما ارتفعت أسعار الزيوت النباتية بنسبة 30%.
هذا الارتفاع أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة للأسر المغربية. في 2024، توقعت المندوبية السامية للتخطيط أن متوسط إنفاق الأسر على السلع والخدمات قد ارتفع بنسبة 9% مقارنة بالعام السابق. كما أشارت التقارير إلى أن 40% من الأسر ذات الدخل المحدود اضطرت إلى تقليل استهلاكها من المواد الغذائية الأساسية بنسبة 15%.
تأثير ارتفاع أسعار المعادن على الصناعة
استمرت أسعار المعادن مثل الذهب والنحاس في الارتفاع، حيث وصل سعر النحاس في الأسواق العالمية إلى 10,000 دولار للطن في 2024، مقارنة بـ 8,000 دولار في 2022. هذه الزيادة في الأسعار رفعت تكلفة الصناعات التحويلية التي تعتمد على هذه المواد، مما أثر على أرباح العديد من الشركات المغربية.
تأثيرات اقتصادية أوسع
1. ارتفاع معدلات التضخم:
سجل المغرب ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات التضخم، الذي وصل إلى 7.3% في عام 2024، مقارنة بـ 6.5% في 2023. ويرجع هذا الارتفاع إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة. وفقًا للمندوبية السامية للتخطيط، ارتفعت أسعار الخبز والأرز والزيوت في الأسواق المغربية بنسبة تتراوح بين 12-18% في 2024.
2. تدهور الميزان التجاري:
بحسب بيانات البنك المركزي المغربي، تضرر الميزان التجاري المغربي بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار السلع الأولية. ففي الربع الأول من 2024، بلغ العجز التجاري 5.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 16% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
الفرص المستقبلية: الطاقة المتجددة والإنتاج المحلي
رغم التحديات، هناك فرص يمكن استغلالها لتخفيف تأثير ارتفاع أسعار المواد الأولية:
1. الطاقة المتجددة:
المغرب يُعتبر من الدول الرائدة في مجال الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في 2024، وصل إجمالي قدرة المغرب في إنتاج الطاقة المتجددة إلى 5,000 ميغاوات، ويُتوقع أن يزداد هذا الرقم إلى 12,000 ميغاوات بحلول 2030. هذا التوجه سيساهم في تقليل الاعتماد على النفط المستورد.
2. تعزيز الإنتاج المحلي:
يعتبر تعزيز الإنتاج المحلي من أهم الحلول لتقليل الاعتماد على الواردات. في هذا السياق، يُتوقع أن يشهد قطاع الفلاحة في المغرب نموًا بنسبة 4.5% في 2025، مع توجه نحو تحسين الإنتاجية الزراعية باستخدام تقنيات الزراعة الذكية.
إجراءات الحكومة المغربية
للتكيف مع هذه التحديات، اتخذت الحكومة المغربية عدة إجراءات، منها:
– تخصيص 2 مليار درهم لدعم الفئات الأكثر تضررًا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
– تخفيض أسعار الوقود بشكل مؤقت في بعض القطاعات لخفض تكاليف النقل.
– زيادة التمويل الحكومي للمشاريع الزراعية لتعزيز الإنتاج المحلي.
و رغم أن ارتفاع أسعار المواد الأولية يشكل تحديًا كبيرًا للمغرب، إلا أن الجهود المبذولة في مجال الطاقة المتجددة وتعزيز الإنتاج المحلي تفتح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي المستدام. من خلال تنويع الاقتصاد والاستثمار في التكنولوجيا، يمكن للمغرب أن يتحول من دولة مستهلكة إلى دولة منتجة، مما يعزز من قدرته على مواجهة التحديات العالمية.