تستعد الولايات المتحدة الأمريكية للمرور من مرحلة الالتزامات السياسية إلى التنفيذ العملي، عبر خطة استثمارية ضخمة تصل إلى خمسة مليارات دولار موجهة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية للمملكة. هذه المبادرة تعكس متانة التحالف المغربي الأمريكي، وتعزز الرهان المشترك للبلدين على استقرار وازدهار المنطقة.
الخطوة الأمريكية تأتي استكمالًا للمسار الذي انطلق سنة 2020، حين اعترفت واشنطن رسميًا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو الموقف الذي ظل ثابتًا لدى مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، مؤكدة دعمها المتواصل للجهود المغربية الهادفة إلى جعل الصحراء نموذجًا للتنمية المتكاملة.
وحسب ما أورده موقع “أفريكان إنتليجنس”، فقد حصلت مؤسسة التمويل التنموي الأمريكية (DFC) على الضوء الأخضر للبدء في بحث فرص استثمارية كبرى بالصحراء المغربية. وضمن هذا المسعى، أجرت المؤسسة لقاءات مع عدد من البنوك والمقاولات المغربية من أجل دراسة المشاريع الواعدة التي يمكن تمويلها في المنطقة.
التحرك الأمريكي ينسجم مع الرؤية الملكية التي عبّر عنها الملك محمد السادس في خطابات سابقة، والتي ترى في الأقاليم الجنوبية رافعة استراتيجية لترسيخ الوحدة الترابية، وفي الوقت ذاته مركزًا اقتصاديًا إقليميًا يربط شمال إفريقيا بعمقها الإفريقي.
وسجّلت الاستثمارات الأمريكية في المغرب مستويات قياسية خلال السنوات الأخيرة، حيث تصدرت الولايات المتحدة قائمة المستثمرين الأجانب سنة 2022 بصافي تدفقات بلغ 761 مليون دولار، متجاوزة نسبة 30% من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمملكة. ورغم تسجيل تراجع طفيف سنة 2023، ظلت الولايات المتحدة في صدارة شركاء المغرب، مع استقرار تدفق الاستثمارات في حدود مليار دولار تقريبًا، قبل أن تعود الأرقام للارتفاع في 2024 و2025، حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة 1.64 مليار دولار.
هذا التوجه يؤكد ثقة واشنطن في جاذبية المناخ الاستثماري المغربي، خاصة في قطاعات استراتيجية مثل الصناعة والطاقة والبنية التحتية. كما يعكس رغبة أمريكية واضحة في تعزيز شراكة طويلة المدى مع المغرب، باعتباره حليفًا موثوقًا ومستقرًا في منطقة تعرف تحديات جيوسياسية متزايدة.
من جانب آخر، لا تقتصر هذه الدينامية على الشق الاقتصادي فحسب، بل تشمل أيضًا الموقف السياسي الأمريكي تجاه قضية الصحراء. فقد أكد ريتشارد ديوك بوشان الثالث، السفير الأمريكي المرشح لدى المغرب، خلال جلسة استماع أمام الكونغرس يوم 30 يوليوز، دعم بلاده الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، واصفًا إياها بـ”الحل الواقعي الوحيد” للنزاع، ومؤكدًا التزام واشنطن بمواكبة جهود الأمم المتحدة وإشراك جميع الأطراف المعنية بشكل جاد ومسؤول.
ومع هذه التطورات، تدخل الشراكة المغربية الأمريكية مرحلة جديدة من النضج والتكامل، تضع الأقاليم الجنوبية في قلب التحول الاقتصادي والاستراتيجي للمنطقة، وتعزز مكانة المغرب كبوابة موثوقة نحو الأسواق الإفريقية والدولية.