التكنولوجيا الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي والأتمتة، تُحدث تحولًا كبيرًا في سوق العمل على مستوى العالم. هذه التغيرات التقنية تساهم في تحسين الكفاءة والإنتاجية في مختلف القطاعات، ولكنها في الوقت ذاته تهدد العديد من الوظائف التقليدية، خصوصًا تلك التي تعتمد على المهام المتكررة والبسيطة. يُتوقع على المستوى العالمي أن يُستبدل حوالي 40% من الوظائف بتقنيات الأتمتة والذكاء الاصطناعي، ما يهدد وظائف في قطاعات مثل التصنيع والخدمات اللوجستية. ومع تقدم التكنولوجيا، ستظهر فرص جديدة في مجالات مثل البرمجيات وأمن المعلومات وتحليل البيانات، مما يعزز الحاجة إلى مهارات متقدمة.
وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، فإن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على حوالي 40% من الوظائف عالميًا، حيث سيتم استبدال بعضها تمامًا أو تكملتها عبر تقنيات جديدة. كما أن دراسة معهد ماكينزي العالمي تشير إلى أن بحلول عام 2030، سيحتاج حوالي 14% من الموظفين عالميًا إلى تغيير مهنتهم بسبب التطورات التكنولوجية مثل الرقمنة والروبوتات.
فيما يخص الوظائف التي سيتم استبدالها، فغالبًا ما تكون تلك التي تعتمد على الروتين والمهام المتكررة مثل المحاسبة أو العمل في المستودعات اللوجستية. على الرغم من التحديات التي تواجه هذه القطاعات، فإن هذه التحولات تفتح فرصًا في مجالات أخرى، مثل تطوير البرمجيات، تحليل البيانات، وأمن المعلومات، حيث تزداد الحاجة إلى متخصصين في هذه المجالات.
في السياق المغربي، فإن التوجه نحو الأتمتة والذكاء الاصطناعي لا يختلف كثيرًا عن الوضع العالمي، ولكنه يواجه تحديات متمثلة في البنية التحتية الرقمية غير المتطورة بشكل كافٍ، والاحتياج إلى توعية وتدريب الكوادر البشرية لمواكبة هذه التغيرات. ومع ذلك، تقول الحكومة المغربية أنها تبذل جهودًا كبيرة لدعم هذا التحول الرقمي في العديد من القطاعات. وفقًا للتقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE)، يشير إلى أن التحول الرقمي في المغرب يحتاج إلى جهود كبيرة لتعزيز فرص العمل، مع التركيز على تطوير المهارات الرقمية.
حسب ماصرحت به حكومة المغرب فإنها أطلقت خطة “المغرب الرقمي 2030” التي تهدف إلى تعزيز الرقمنة في القطاعات الاقتصادية والخدمية. هذه الاستراتيجية على حد تعبيرها تتضمن خطة لتدريب 140,000 شاب سنويًا في مجالات التكنولوجيا، إلى جانب توفير 240,000 فرصة عمل جديدة في مجال الرقمنة بحلول عام 2030.
لكن التحدي يبقى في مدى فاعلية هذه المبادرات على الأرض.
فيما يخص القطاعات التي قد تأثر بشكل مباشر بالأتمتة، من المتوقع أن يشهد القطاع الصناعي التقليدي في المغرب تحولًا كبيرًا، خاصة مع ظهور الروبوتات الصناعية واستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة المخازن. كما أن قطاع الخدمات، مثل البنوك والتجارة الإلكترونية، يمر أيضًا بتغيرات سريعة مع توسع الأنظمة الرقمية.
من جهة أخرى، رغم التحديات التي قد تطرأ على بعض الوظائف التقليدية بسبب الأتمتة، فإن هذه التحولات تخلق فرصًا جديدة. مثلًا، تشير التقارير إلى زيادة الحاجة إلى المتخصصين في البرمجة، تحليل البيانات، وأمن المعلومات. هذه المجالات أصبحت حيوية في المغرب، حيث يتزايد الاهتمام بتطوير بنيتها التحتية الرقمية، كما يمكن للفرص المستقبلية أن تساهم في تعزيز الاقتصاد الرقمي في المملكة.
تعتبر الحكومة المغربية هذه الفرص جزءًا من استراتيجية تنموية تهدف إلى تحسين التنافسية الاقتصادية، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الدعم الحكومي في شكل تدريب وتأهيل للمواطنين في هذه المجالات الجديدة.
رغم التقدم في التكنولوجيات الحديثة، يبقى التحدي الأكبر في كيفية التكيف مع هذه التغيرات، خصوصًا في الدول النامية مثل المغرب التي لا يزال قطاعها الرقمي في مراحل تطور. يُعد تدريب القوى العاملة الحالية على المهارات الرقمية الجديدة أحد الحلول الضرورية لمواجهة هذا التحول.
في الخلاصة، تظهر الأتمتة والذكاء الاصطناعي كمصدر تحدي وفرص في آن واحد. على المستوى الدولي، من المتوقع أن يتغير سوق العمل بشكل جذري بسبب هذه التقنيات. وفي المغرب، رغم أن هناك جهدًا حكوميًا لتحفيز التحول الرقمي، إلا أن الحاجة إلى استثمارات أكبر في تطوير المهارات الرقمية وتنفيذ الاستراتيجيات الرقمية على أرض الواقع لا تزال تشكل تحديًا أساسيًا.