بدأ المغرب مرحلة جديدة في مسيرته نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، وذلك من خلال مشروع ضخم للتنقيب عن الغاز الطبيعي في سواحل الصحراء المغربية. يركز المشروع على منطقة بحرية قبالة مدينة بوجدور، والتي تمتد على نحو 34 ألف كيلومتر مربع، وهي منطقة تعد ذات أهمية بالغة في استراتيجيات المغرب الطاقية.
يُعد هذا المشروع خطوة مهمة نحو تقليل الاعتماد على واردات الغاز من الخارج، ويشكل بداية لحقبة جديدة من الاستقلالية الطاقية للمغرب. وبتوقيع اتفاق مع شركات دولية متخصصة مثل NewMed Energy وAdarco Energy، أصبح المغرب في قلب اهتمام عالمي في مجال التنقيب عن الموارد الطبيعية. تمتلك كل من هاتين الشركتين 37.5% من المشروع، بينما يمتلك المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن (ONHYM) حصة 25%. هذه الشراكات الدولية تعكس ثقة الشركات العالمية في القدرة التنافسية للمغرب في هذا القطاع، كما تساهم في إدخال التكنولوجيا الحديثة والخبرة الفنية إلى المملكة.
تشير الخطط إلى أن المشروع سيدخل في مرحلة الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية التي ستستمر لمدة 30 شهرًا، وقد تمتد هذه الفترة إذا توافرت نتائج واعدة تشير إلى وجود احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي. هذه الدراسات تشكل أساسًا حيويًا لفهم التركيبة الجيولوجية للمنطقة، ومن خلالها سيتم تحديد المواقع الأكثر احتمالية للاحتياطات الغازية، مما يسهل عملية الحفر والتنقيب لاحقًا.
على المستوى الاقتصادي، يحمل هذا المشروع عدة أبعاد إيجابية للمغرب. فمن جهة، يعد خطوة نحو ضمان إمدادات طاقة مستدامة وطويلة الأمد. ومن جهة أخرى، سيساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي في منطقة بوجدور، حيث يُتوقع أن يوفر المشروع آلاف فرص العمل في مجالات مختلفة مثل البحث العلمي، التكنولوجيات المتقدمة، والصناعات المرتبطة بالطاقة. كما ستستفيد الشركات المحلية من مختلف قطاعات الخدمات، بما في ذلك النقل والإمداد، مما يزيد من النشاط التجاري في المنطقة.
في حال نجاح عمليات التنقيب، فإن المغرب سيحقق قفزة نوعية في تعزيز أمنه الطاقي، ويقلل من الاعتماد على استيراد الغاز الطبيعي من الخارج، وهو ما سيعزز من قدرة المملكة على تأمين احتياجاتها الطاقية بتكاليف أقل. كما أن هذه الاكتشافات قد توفر للمغرب منصة تصدير جديدة للغاز، مما يعزز مكانته في سوق الطاقة الإقليمي والعالمي. يمكن أن تتحول المنطقة إلى مركز مهم للطاقة في شمال إفريقيا، مما يعزز دور المغرب كلاعب رئيسي في سوق الطاقة في المستقبل.
إذا كانت بداية هذا المشروع ناجحة، فقد يفتح المجال لمشاريع أخرى في مناطق بحرية وصحراوية مختلفة، لتكون المغرب أكثر قدرة على مواجهة التحديات الطاقية المستقبلية. إن التنقيب عن الغاز في بوجدور ليس مجرد مشروع صناعي، بل هو جزء من استراتيجية وطنية لتعزيز الاستقلالية الطاقية، ودعم الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنمية المستدامة في المستقبل.