في ظل التطورات الاقتصادية المتسارعة، يواصل الذهب تصدُّر عناوين الأخبار كأحد أبرز الأصول الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون في فترات التوترات الاقتصادية العالمية. في الآونة الأخيرة، قامت العديد من البنوك والمؤسسات المالية الكبرى بتعديل توقعاتها لأسعار الذهب، مشيرةً إلى احتمال ارتفاع كبير في سعر المعدن الأصفر خلال الفترة المقبلة.
على رأس هذه المؤسسات يأتي مصرف “UBS”، الذي رفع توقعاته لأسعار الذهب إلى 3200 دولار للأونصة، في وقت يزداد فيه القلق من احتمال اندلاع حرب تجارية عالمية طويلة الأمد.
يعد الذهب من الأصول التي تُعتبر ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات الاقتصادية والتجارية. وبينما كانت الأسواق العالمية تستعيد بعض استقرارها بعد جائحة كورونا، فإن المخاوف من تصاعد الحروب التجارية بين الدول الكبرى باتت تلوح في الأفق، وهو ما دفع المستثمرين إلى إعادة توجيه استثماراتهم نحو الذهب.
التحليل الذي قدمه “UBS” ليس مفاجئاً بالنظر إلى تصاعد النزاعات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين. مع تصاعد التوترات، يصبح الذهب الخيار الأمثل للمستثمرين الذين يبحثون عن استثمار آمن بعيداً عن تقلبات العملات وأسواق الأسهم.
أحد أبرز التوقعات في هذا الصدد هو ما صدر عن مجموعة “ماكواري” الأسبوع الماضي، حيث توقعت المجموعة أن يصل سعر الذهب إلى 3500 دولار للأونصة في الربع الثاني من العام 2025. كما أن “بي إن بي باريبا” رفع توقعاته أيضاً لأسعار الذهب إلى أكثر من 3000 دولار للأونصة، مشيرة إلى أن الذهب سيظل يحتفظ بجاذبيته كمخزون للقيمة في ظل غموض الاقتصاد العالمي.
تعتبر هذه التوقعات مؤشرًا قويًا على أن المستثمرين يراهنون على مزيد من التوترات الاقتصادية والمالية في المستقبل القريب. إذ يرى المحللون أن الذهب سيستفيد من الأوضاع الاقتصادية العالمية المترنحة، حيث من المحتمل أن تؤدي الحروب التجارية إلى تقلبات شديدة في الأسواق، مما يعزز الطلب على الذهب.
أولاً، يتزايد قلق الأسواق من انزلاق الاقتصادات الكبرى إلى حرب تجارية شاملة قد تطول، وتترك آثاراً سلبية على النمو الاقتصادي العالمي. مع استمرار هذا التوتر، يتجه المستثمرون نحو الذهب كوسيلة للتحوط ضد المخاطر المحتملة.
ثانيًا، مع سياسة التيسير النقدي التي تنتهجها العديد من البنوك المركزية حول العالم، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة وزيادة برامج التحفيز، يظل الذهب من الأصول التي لا تتأثر سلباً بتخفيضات الفائدة، وهو ما يرفع من جاذبيته بين المستثمرين.
رغم النظرة الإيجابية على المدى القريب، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تؤثر في هذه التوقعات. أولاً، تظل أسواق العملات والأسهم تتحرك في دوامة من التقلبات التي قد تؤثر بشكل غير مباشر على سوق الذهب. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الذهب قد يؤدي إلى تراجع الطلب من بعض المستثمرين الذين قد يفضلون البحث عن أصول أخرى.
ثالثاً، على الرغم من التوترات التجارية، فإن الأسواق المالية العالمية لا تزال تتمتع بقدر من الاستقرار النسبى، ما قد يؤدي إلى تقليص الطلب على الذهب في بعض الحالات.
إن الارتفاع المتوقع لأسعار الذهب إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة يعكس التوترات الاقتصادية والمالية التي قد تطرأ على الساحة العالمية. ورغم التحديات التي قد يواجهها هذا التوقع، فإن المستقبل القريب يشير إلى أن الذهب سيظل الخيار المفضل للمستثمرين الباحثين عن الأمان وسط غيوم الحروب التجارية.