منذ إقرار دستور 2011، تعهّد المغرب بتفعيل مشروع الجهوية المتقدمة كآلية لتحقيق العدالة المجالية والديمقراطية المحلية.
ورغم مرور أكثر من 14 سنة على انطلاق هذا الورش، لا تزال المسافة شاسعة بين التصور الدستوري والواقع الملموس على الأرض. فالمجالس الجهوية، التي يفترض أن تلعب دوراً مركزياً في التنمية، لا تزال تصطدم بعراقيل بنيوية أبرزها ضعف الصلاحيات، وقلة الموارد، واستمرار هيمنة الوزارات المركزية على مفاصل القرار.
وبينما نصّت القوانين التنظيمية على تمكين الجهات من أدوات التخطيط والتمويل والتنفيذ، فإن التطبيق العملي كشف عن تأخر في تنزيل هذه الوعود، مما جعل عدداً من البرامج الجهوية عرضة للتجميد أو إعادة النظر فيها من قبل سلطات مركزية.
الأزمة تتعمق أكثر حين ننظر إلى تمويل الجهات، حيث تظل الموارد الذاتية ضعيفة وغير كافية لتغطية حاجيات التنمية، في مقابل تبعية شبه تامة لتحويلات الدولة.
هذا الخلل المالي يعكس خللاً أعمق في توزيع السلطة والاختصاص، ويجعل من المجالس الجهوية أداة تنفيذ أكثر منها فاعلاً مستقلاً.
تضاف إلى ذلك مشاكل في الكفاءات البشرية والقدرة على تدبير المشاريع وفق منظور تنموي جهوي حقيقي، مما يحد من فعالية هذه المجالس، حتى حين تتوفر على الرغبة السياسية.
أما على مستوى العدالة المجالية، فإن الفوارق بين الجهات لا تزال صارخة، بل وتتعمق في بعض الأحيان. فبينما تجذب جهات محددة أغلب الاستثمارات العمومية والخاصة، تعاني جهات أخرى من التهميش وضعف البنيات التحتية وغياب المشاريع الكبرى، مما يهدد بانفصال تنموي حقيقي بين المغرب النافع والمغرب المهمّش.
وفي ظل هذه التفاوتات، تظل الجهوية المتقدمة مشروعاً مؤجلاً، يحتاج إلى إرادة سياسية واضحة لتجاوز الإطار النظري وإرساء ممارسة ديمقراطية لامركزية فعلية.
إن إنجاح ورش الجهوية لا يتطلب فقط نصوصاً قانونية متقدمة، بل تفعيلاً حقيقياً يمر عبر نقل فعلي للسلطة، وتوزيع منصف للموارد، وإرساء آليات فعالة للمراقبة والمحاسبة.
بدون ذلك، سيبقى الخطاب الرسمي حول الجهوية المتقدمة طموحاً معلقاً بين مركز متمسك بالتحكم، وجهات مقيدة بقيود البيروقراطية.