تتواصل -اليوم السبت- الاستفتاءات على انضمام المناطق التي سيطرت عليها القوات الروسية في أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي، وسط تنديد ورفض غربي. وقد أعلنت روسيا أن قواتها قضت على مئات الجنود الأوكرانيين، بينما حقق الجيش الأوكراني تقدما في مقاطعة دونيتسك.
وتقع المناطق المعنية بالاستفتاء في جنوب وشرق أوكرانيا، في مقاطعات دونيتسك وزاباروجيا وخيرسون ولوغانسك.
وتقتصر الأيام الأربعة الأولى من الاستفتاء -الذي انطلق أمس الجمعة ويمتد حتى الثلاثاء- على عملية اقتراع جزئي لسكان تلك المناطق.
وفي كييف، ندد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعملية التصويت، قائلا “سيكون رد فعل العالم عادلا تماما حيال الاستفتاءات الصورية”، التي وصفها بأنها “جرائم ضد القانون الدولي والقانون الأوكراني”.
كما قال مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك إنه لا يوجد إجراء قانوني يسمى “الاستفتاء” في الأراضي المحتلة، مبينا أن ما يجري ليس سوى عرض دعائي للتجنيد في القوات الروسية.
من جهته، قال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال إن القضية التي تقلق الجميع الآن هي التعبئة الروسية واستفتاءاتها الوهمية، إلا أنها لا تغير شيئا بالنسبة للأوكرانيين من حيث الأهداف الإستراتيجية، بحسب قوله.
وأكد شميهال أن أوكرانيا ستفعل كل شيء لتحرير أراضيها، وأن شركاء أوكرانيا مستعدون لدعمها في ذلك، إضافة إلى استعدادهم لدعم تعافي البلاد وبناء دولة أوروبية قوية جديدة، وفق تعبيره.
كما تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن في بيان بفرض أعباء اقتصادية إضافية فورية وشديدة على روسيا، مؤكدا أن بلاده تقف مع شركائها في جميع أنحاء العالم، وأنها ترفض نتائج “ملفقة” للاستفتاءات.
ووصف بايدن الاستفتاءات بأنها شكلية وذريعة لضم أجزاء من أوكرانيا بالقوة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة.
وقال الرئيس الأميركي إن واشنطن لن تعترف أبدا بالأراضي الأوكرانية إلا على أنها جزء من أوكرانيا، ووعد بالاستمرار في الدعم الأمني للشعب الأوكراني لمساعدته في الدفاع عن نفسه.
وأكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ أن الحلف سيكثف دعمه لأوكرانيا ردا على الاستفتاءات التي وصفها بالزائفة.
وفي مقابلة خاصة مع الجزيرة، قال المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيخسر الحرب، وإن أوروبا لن تعترف بالاستفتاءات.
وتساءل بوريل: “أي نوع من الاستفتاءات هذه التي تتم الدعوة إليها بين عشية وضحاها من دون نقاشات مسبقة، ووسط حرب، فيما يفر الآلاف من الأشخاص؟ لا أحد يستطيع الاعتراف بها”.
وأكد بوريل أن الاتحاد الأوروبي سيردّ على هذه الاستفتاءات بمواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا من أجل تمكينها من الدفاع عن نفسها، وبالإبقاء على العقوبات المفروضة لإضعاف قدرة الاقتصاد الروسي على تمويل الحرب.
وبدورها، شددت دول مجموعة السبع على أنه لن يتم “إطلاقا” الاعتراف بالاستفتاءات التي لا تحمل “أي تأثير قانوني أو شرعية”.
في المقابل، رفضت موسكو الاتهامات، وقالت الخارجية الروسية إن الاستفتاءات الجارية متوافقة مع القانون الدولي.
كما قوبلت الخطوة برد فعل من بكين، حيث قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي -في تصريحات وجّهها إلى نظيره الأوكراني دميترو كوليبا أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس- “ينبغي احترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول”.
تقدم أوكراني وقصف روسي
وعلى الصعيد الميداني، حقق الجيش الأوكراني مكاسب قرب مناطق الاستفتاء شرقا وجنوبا، كما حقق تقدما ملحوظا في محور ليمان شمال دونيتسك للمرة الأولى منذ مايو/أيار الماضي، بعد سيطرة الجيش الروسي على المنطقة.
وفي جبهة خاركيف، قال حاكم المقاطعة الأوكراني إن القوات الروسية حاولت شنّ هجوم في منطقة كوبيانسك، لكنها تكبدت خسائر كبيرة، واضطرت على إثرها للتراجع.
وقال مراسل الجزيرة في إقليم دونباس إن مدن دروشكيفكا وكونستانتينيفكا وباخموت وسوليدار تعرّضت لقصف عنيف من قبل القوات الروسية خلال الليل وساعات الصباح.
وقالت قيادة الأركان الأوكرانية إنها أحبطت هجوما روسيًا على محيط مدينة باخموت شرق دونيتسك، كان يسعى للسيطرة على بعض البلدات، بعد التقدم الذي أحرزه الجيش الأوكراني أمس.
وأفادت مصادر بأن القوات الأوكرانية ما زالت تعزز مواقعها في محور ليمان، وأن قواتها تمكنت من الالتفاف والتمركز خلف مواقع الجيش الروسي استعدادا لحصارها، بعد أن قطعت عنها خطوط الاتصال والإمداد.
من ناحية أخرى، قالت وزارة الدفاع البريطانية -اليوم السبت- إن روسيا قصفت سدّ بشينهي على نهر سيفيرسكي دونتس في شمال شرق أوكرانيا، مستخدمة صواريخ باليستية قصيرة المدى أو أسلحة مماثلة، وذلك خلال يومي الأربعاء والخميس.
وأضافت أن الهجوم تزامن مع تقدم القوات الأوكرانية باتجاه مصب النهرين، وأن القادة الروس ربما كانوا يحاولون إغراق نقاط عبور عسكرية أوكرانية، مستبعدة أن يؤثر ذلك على العمليات الأوكرانية نظرا لبعد المسافة.
المسيرات الإيرانية
وأعلنت القيادة الإقليمية العسكرية بالجيش الأوكراني في مدينة أوديسا إسقاط طائرة إيرانية مسيرة متعددة الأغراض من طراز “مهاجر 6″، مصممة للاستطلاع والمراقبة والقصف.
كما أعلن الجيش الأوكراني إسقاط طائرتين مسيرتين من طراز “شهيد 136” إيرانيتي الصنع في مدينتي أوديسا ودينيبرو، وذلك بعدما أفاد المتحدث باسم الإدارة الإقليمية العسكرية للجزيرة بأن طائرتين مسيرتين انتحاريتين إيرانيتي الصنع أصابتا مبنى إداريا في ميناء أوديسا، مما أسفر عن مقتل مدني واندلاع حريق في المكان.
وفي ردّ فعلها على ما تراه كييف دعما عسكريا إيرانيا لروسيا، أعلنت الخارجية الأوكرانية سحب اعتماد سفير إيران بأوكرانيا، وخفض عدد الموظفين في السفارة الإيرانية في كييف.
وأضافت الخارجية أن تزويد إيران لروسيا بأسلحة لشن حرب على أوكرانيا عمل غير ودي، ويوجّه ضربة خطيرة للعلاقات مع طهران.
وأشارت إلى أنها أبلغت القائم بالأعمال الإيراني أن استخدام أسلحة إيرانية في أوكرانيا يتعارض مع موقف الحياد.
قتلى أوكرانيون
في المقابل، قالت السلطات الموالية لروسيا إن الدفاعات الجوية تصدت لهجوم صاروخي أوكراني استهدف خيرسون.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن غارة جوية استهدفت وحدات من اللواء 81 في مدينة كراماتورسك بمقاطعة دونيتسك، وتسببت بمقتل أكثر من 220 جنديا أوكرانيا، كما استهدفت “المرتزقة الأجانب” في مدينة سلافيانسك وقتلت أكثر من 100 مسلح.
وأضافت أن قواتها شنت هجمات على القوات الأوكرانية في زاباروجيا وميكولايف، وتصدت لهجمات صاروخية أوكرانية في خيرسون، وأنها قتلت أكثر من 130 عسكريا.
إستراتيجية الحرب
من جهتها، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين قولهم إن بوتين أصبح أكثر انخراطا في إستراتيجية الحرب، ورفض طلبات قادته الميدانيين الانسحاب من مدينة خيرسون، وذلك ما أحبط الروح المعنوية لدى القوات الروسية.
وأضافت مصادر نيويورك تايمز أن تدخل بوتين أحدث التوتر بالرغم من قبوله توصيات القادة العسكريين مثل تعبئة المدنيين.
وأشار المسؤولون إلى أن ضباطا كبارا شككوا في الخطط المبكرة للحرب، خصوصا مرحلة توجيه ضربة خاطفة لكييف، وأنهم اعتقدوا أن بوتين بدأ الحرب بقوات وأسلحة غير كافية.
وأضافوا أن بوتين خفف سيطرته على التخطيط العسكري بعد ثبوت صحة مخاوف الضباط، وسمح لكبار الجنرالات برسم إستراتيجية جديدة تركز على قصف مدفعي مكثف، مما لعب دورا في تعزيز قوة الروس.
وحذّر بوتين هذا الأسبوع من أن موسكو ستلجأ إلى “كافة الوسائل” لحماية أراضيها، كما قال الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف إن هذه الوسائل قد تشمل استخدام “أسلحة نووية إستراتيجية”.
وبدأت موسكو التعبئة الخميس، إذ أمر بوتين باستدعاء حوالي 300 ألف جندي احتياط لدعم الجهد الحربي، مما دفع بالكثير من الروس إلى الفرار، حيث حُجزت رحلات طيران كاملة إلى الدول المجاورة على مدى الأيام المقبلة.
المصدر : الجزيرة + وكالات