في اكتشاف أثري غير مسبوق، أعلن فريق من الباحثين المغاربة عن العثور على أقدم مسجد موثق في تاريخ المغرب، وذلك بمدينة سجلماسة، إحدى أقدم الحواضر الإسلامية في شمال إفريقيا. ويعود تاريخ هذا المسجد إلى بدايات دخول الإسلام للمغرب، في أواخر القرن الثامن الميلادي، ما يضفي على هذا الاكتشاف أهمية بالغة في تأريخ العمران الديني والحضري بالمغرب الأقصى.
وقد تم الكشف عن أسس مجمع ديني متكامل يضم مسجدًا من العصر الوسيط، تبلغ مساحته نحو 2620 مترًا مربعًا، ويتسع لما يقارب 2600 مصلٍّ، مما يعكس أهميته ومكانته في تلك الحقبة. ويمتاز المسجد بتعدد طبقاته البنائية التي تعكس تسلسلاً زمنياً يبدأ من المسجد الأصلي الذي أسسه بنو مدرار في عهد الأمير أبي المنتصر اليسع، ويشمل مراحل لاحقة تنتمي إلى الدول المرابطية والموحدية والمرينية، وصولاً إلى فترة الدولة العلوية التي لا تزال بعض معالمها المعمارية قائمة حتى اليوم.
وأكد الفريق الأثري أن هذا التراكم المعماري المتعاقب يشكل دليلًا واضحًا على كون مسجد سجلماسة هو أقدم مسجد موثق في المغرب، ما يمنحه مكانة استثنائية باعتباره معلمة أثرية مركزية في تاريخ الإسلام المغربي.
ولم تقتصر أهمية الاكتشاف على البنية المعمارية فحسب، بل كشفت الحفريات في الطبقات الأقدم من الموقع عن مجموعة نادرة من اللقى الجصية المنحوتة التي تعود إلى الفترة المدرارية (القرن الثامن إلى العاشر الميلادي). وتتميز هذه التحف بزخارفها الهندسية والنباتية والكتابية، وتُعدّ حتى الآن أقدم شواهد الفن الإسلامي المعروف في المغرب، مما يعزز من قيمة الموقع كمصدر فريد لفهم بدايات الفن والعمران الإسلامي في المنطقة.
ويُرتقب أن يسهم هذا الاكتشاف في إعادة تسليط الضوء على سجلماسة، التي لطالما شكّلت محورًا تجاريًا وثقافيًا بين المغرب والصحراء الكبرى، ودعامة أساسية في تاريخ الدولة الإسلامية بالمغرب.