وسط دينامية عالمية متسارعة يقودها التحول الرقمي، يجد المغرب نفسه أمام واقع يتطلب يقظة مؤسساتية ومراجعة جذرية لآليات إعداد وتأهيل الكفاءات. فبينما تتقدم الرقمنة بخطى ثابتة وتفرض منطقها على مختلف القطاعات، ما تزال منظومات التكوين المهني والتعليم العالي تراوح مكانها، مما يهدد بحدوث شرخ واسع بين ما يطلبه سوق الشغل وما توفره المؤسسات المعنية بإعداد المورد البشري.
الدراسة الأخيرة التي نشرها موقع “DRH.ma”، المتخصص في قضايا الموارد البشرية، تسلط الضوء على هذا التفاوت المقلق، معتمدة على معطيات مستقاة من آراء 232 مديرًا للموارد البشرية في شركات كبرى، وهو ما يعزز قوة العينة ويمنح مؤشرات الدراسة مصداقية خاصة. من بين أبرز ما تكشفه هذه المعطيات هو وجود فجوة بنيوية بين تسارع الابتكار التكنولوجي وضعف الجاهزية داخل المقاولات والمؤسسات التعليمية على حد سواء.
التحدي لم يعد مقتصرًا على توفير فرص الشغل، بل تحول إلى سؤال أعمق: هل الكفاءات الحالية والمستقبلية قادرة على مجاراة هذا التحول الجذري؟ الجواب، كما توحي به الدراسة، لا يبدو مطمئنًا. هناك إحساس عام لدى مسؤولي الموارد البشرية بغياب الرؤية الاستباقية، وبتأخر السياسات العمومية عن مواكبة حاجيات المقاولات في زمن الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
التحول الرقمي لا ينتظر، ولا يعترف بإيقاع الإصلاحات البطيئة. وفي ظل هذا السياق، يصبح من الضروري التفكير في حلول تتجاوز المسكنات الظرفية، وتلامس عمق الإشكال. من ذلك، إعادة صياغة منظومة التكوين لتكون أكثر مرونة واتصالًا بسوق الشغل، وتشجيع الابتكار داخل الفضاءات الجامعية والمهنية، وتحفيز الشراكات بين الدولة والمقاولات لتحديد أولويات المهارات المستقبلية.
المفارقة أن المغرب يمتلك من المؤهلات ما يجعله فاعلًا في هذا التحول، لكن غياب التناسق بين مختلف المتدخلين، وضعف الاستثمار في الرأسمال البشري، يجعلان هذا الطموح رهينة لتأخر مؤسساتي مزمن. المستقبل المهني في المغرب لن يُبنى بالخطابات، بل بقرارات جريئة تستشرف القادم وتستثمر في الإنسان باعتباره صُلب التنمية ومحركها.