السينما المغربية، تقف عند مفترق طرق حاسم بين طموح بلوغ العالمية وتحديات محلية ما تزال ترخي بظلالها الثقيلة على مسارها.
فرغم ما يُروّج له من إنجازات دولية هنا وهناك، يبقى الحديث عن صناعة سينمائية مغربية قادرة فعلياً على المنافسة في السوق العالمية أمراً يستوجب قدراً أكبر من التمحيص والموضوعية، بعيداً عن لغة الإشادة المجانية أو جلد الذات.
صحيح أن بعض الأفلام المغربية قد استطاعت خلال السنوات الماضية أن تجد لها مكاناً في المهرجانات الدولية أو أن تحصد جوائز رمزية، مثل فيلم “علي صوتك” لنبيل عيوش الذي عُرض في مهرجان كان، أو فيلم “زنقة كونطاكت” لإسماعيل العراقي الذي لقي استحساناً نقدياً في فينيسيا، لكن هذه النجاحات تظل استثناءً أكثر منها قاعدة، وتُعزى غالباً إلى مجهودات فردية لمخرجين أو منتجين يشتغلون خارج الهياكل المؤسساتية، معتمدين على شراكات إنتاج أوروبية بالدرجة الأولى.
معظم هذه الأعمال تتحدث بلغة تعكس رؤية “غربية” لقضايا المغرب، ما يطرح تساؤلات حول مدى تمثيلها الفعلي للهوية الثقافية المحلية.
في المقابل، نجد عدداً كبيراً من الأفلام التي لا تجد طريقها لا إلى الجمهور المحلي ولا إلى السوق الدولية، إما بسبب ضعف النصوص وركاكة البناء الدرامي، أو بسبب محدودية التقنيات المستعملة في التصوير والإنتاج، أو لأن موضوعاتها لا تلامس اهتمامات المتلقي خارج المغرب، ولا تملك أيضاً الجرأة الكافية لتطرح قضايا داخلية بعين نقدية صادقة.
هذا الفشل لا يعود فقط إلى صناع الأفلام أنفسهم، بل يتقاطع مع إشكالات بنيوية أعمق، من قبيل محدودية عدد القاعات السينمائية، وافتقار البلاد إلى شبكة توزيع وطنية، ناهيك عن غياب صناعة حقيقية قادرة على الاستمرارية والاستثمار.
من جهة أخرى، لا يمكن إغفال أن جزءاً من الطموح نحو العالمية يصطدم بعوائق تتعلق بالتصورات النمطية التي ما تزال تهيمن على نظرة الغرب للأفلام القادمة من الجنوب، إذ يُنتظر من السينما المغربية – غير المعلنة هذه التوقعات – أن تبقى في إطار الفقر، الهامش، المرأة الضحية، كمصدر قمع، وكلما خرجت عن هذه القوالب الجاهزة، فقدت قدرتها على إثارة الفضول داخل دوائر التوزيع الدولية.
لكن الواقعية تقتضي أيضاً الاعتراف بأن الوضع ليس ميؤوساً منه. هناك جيل جديد من المخرجين، والسيناريستات، والفنيين، يحاولون بوسائلهم الخاصة إنتاج محتوى سينمائي أكثر مهنية، وأكثر اتصالاً بالسياق المغربي المعاصر دون أن يكون أسيرًا للنظرة السياحية أو الاستشراقية.
غير أن هذا الجهد سيظل محدود الأثر ما لم ترافقه سياسة ثقافية واضحة، واستثمارات حقيقية في التكوين، وإرادة فعلية لفهم السينما كقطاع منتج، وليس مجرد واجهة لصورة ثقافية نرغب في ترويجها بين الفينة والأخرى.
عليه، فإن الحديث عن “رحلة إلى العالمية” يظل مشروعًا مفتوحًا على أكثر من احتمال، ولا يمكن له أن يتحقق من خلال مبادرات معزولة أو احتفاءات ظرفية، بل من خلال رؤية طويلة المدى تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات السياق المغربي، وفي الوقت نفسه تنفتح على رهانات السوق السينمائية الدولية بلغة احترافية غير متسرعة.
أما دون ذلك، فإن السينما المغربية ستبقى تتأرجح بين الطموح والخطاب الاحتفالي، دون أن تتمكن فعلياً من تأكيد مكانتها في خارطة السينما العالمية.