يُعقد المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية في ظرفية دقيقة تُميزها سياقات سياسية داخلية معقدة، وتجاذبات تنظيمية تعكس حالة “اللايقين” التي يعيشها الحزب منذ الانهيار الانتخابي في استحقاقات 2021. هذه المحطة، التي توصف بالحاسمة، تُرتقب على نطاق واسع كمنعطف مفصلي لتحديد مستقبل “المصباح”، بين دعوات التجديد والتشبيب، وبين أصوات ترى في استمرار القيادة الحالية ضرورة لتثبيت الحزب في المشهد السياسي بعد مرحلة السقوط.
ما قبل المؤتمر طُبِع بحركية تنظيمية ملحوظة، بدءاً من تشكيل اللجنة التحضيرية برئاسة إدريس الأزمي، إلى اللقاءات الجهوية التي ناقشت أوراقاً تأسيسية من قبيل الورقة المذهبية والأطروحة السياسية، التي صادق عليها المجلس الوطني. لكن هذه الوثائق، رغم أهميتها النظرية، لم تخلق زخماً داخلياً أو نقاشاً مجتمعياً يعكس طموحات حزب يُفترض أنه بصدد مراجعة تجربتين حكوميتين، إحداهما شكلت صدمة للناخبين والثانية كانت بمثابة خيبة أمل لكثير من قواعده.
الأطروحة السياسية التي اختار الحزب أن يجعل منها أرضية للمؤتمر، رغم ما تحمله من نوايا إصلاحية وشعارات كبيرة كـ”النضال من أجل مصداقية الاختيار الديمقراطي وكرامة المواطن”، تفتقر بحسب المتابعين إلى وضوح الرؤية وجرأة التقييم، مما يعمق الإحساس بأن الحزب لم يستوعب بعد صدمة 2021. كما أن إعلان الأمين العام عبد الإله بنكيران عن طموحه في احتلال المرتبة الأولى في انتخابات 2026، طرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كان هذا الطموح يعكس إرادة جماعية داخل الحزب، أم مجرد نزعة فردية تتعارض مع واقع التنظيم المهتز، وتفتقر إلى مقومات استراتيجية انتخابية واضحة.
في خضم هذه التحركات، عاد الجدل حول القيادة؛ بين تيار يدفع باتجاه استمرارية بنكيران مستندا إلى رمزيته الشعبية، وقدرته على استنهاض القواعد، وبين تيار يرى في التغيير والتشبيب فرصة لإعادة بناء الحزب على أسس جديدة أكثر انسجاماً مع التحولات الوطنية والدولية. لكن النقاش حول الأسماء المرشحة لقيادة المرحلة لا يزال حبيس الغرف المغلقة، وتتجاذبه حسابات الولاء والاصطفاف داخل هياكل التنظيم.
الإشكال الأعمق الذي يُطوق هذا المؤتمر لا يتعلق فقط بمن سيقود الحزب، بل في مدى قدرة العدالة والتنمية على صياغة رؤية سياسية بديلة، تتجاوز سرديات الضحية والمؤامرة، وتنتج خطاباً مؤسسياً متماسكاً يعيد إليه ثقة الناخبين والمجتمع. فالسؤال المركزي لم يعد حول من سيترأس الحزب، بل حول: ما الذي سيقدمه هذا الحزب في المرحلة المقبلة؟ وهل يمتلك فعلاً مشروعاً سياسياً إصلاحياً يعيد إليه جاذبيته، أم أنه سيواصل الانغماس في متاهات الصراعات التنظيمية، والحنين إلى أمجاد ماضية لم يعد السياق يسمح باستعادتها؟
من هنا، فإن المؤتمر الوطني التاسع ليس مجرد محطة تنظيمية دورية، بل اختبار حقيقي لمدى نضج الحزب وقدرته على تجديد نفسه من الداخل، وتجاوز مآزقه الخطابية والتنظيمية. المؤتمر قد يُنتج قيادة جديدة أو يُعيد تدوير الوجوه القديمة، لكنه إذا لم يُنتج رؤية سياسية واضحة تعيد تعريف موقع الحزب في النسق السياسي المغربي، فإنه سيؤكد فقط أن العدالة والتنمية لا يزال عالقاً في ماضٍ لم يُراجع، ومستقبل لم تُرسم ملامحه بعد.