يترقب الفرنسيون صدور الحكم على المتهمين العشرين في قضية اعتداءات 13 نونبر 2015 بباريس. التي قتل فيها 130 شخصا، في جلسة من المنتظر انعقادها مساء اليوم الأربعاء 29 يونيو الجاري في محكمة الجنايات الخاصة بالعاصمة.
وتنظر هذه المحكمة في الدور المفترض الذي لعبه هؤلاء المتهمون في الاعتداءات التي شهدتها مناطق متفرقة في باريس وضاحيتها سان دوني. حيث فتحت مجموعات جهادية مسلحة النار على شرفات مقاه ومطاعم وهاجمت قاعة عروض باتاكلان خلال حفل موسيقي. بينما فجر ثلاثة انتحاريين أنفسهم بالقرب من ستاد دو فرانس خلال مباراة لكرة القدم بين فرنسا وألمانيا.
وسيشكل النطق بالحكم خاتمة لأطول المحاكمات الجنائية في تاريخ البلاد منذ الحرب العالمية الثانية. إذ انطلقت في 08 شتنبر 2021، واستمرت الجلسات على مدى أكثر من تسعة أشهر، وانتهت بجلسة الإثنين 27 يونيو 2022.
ولم تقدم المحاكمة “التاريخية” أجوبة على كل الأسئلة التي طرحها أطراف الادعاء المدني البالغ عددهم 2500 شخص.
أصوات عائلات الضحايا
وسمحت المحاكمة للناجين وعائلات الضحايا، على الرغم من عدم توضيح كل النقاط، بإسماع أصواتهم والشعور مجددا بألمهم أبعد من قاعة المحكمة في القصر العدلي الذي تحول إلى حصن لمدة عشرة أشهر تقريبا.
ولخصت المحامية كامي إينوتييه في بداية جلسات الاتهام نيابة مكافحة الإرهاب “ماذا سنتذكر من هذه الجلسة؟ ما هي الصور وما هي الكلمات التي ستبقى؟ بالتأكيد حكمكم. أسماء الراحلين وروايات الضحايا أخيرا، بلا شك”.
وأضافت أن “جلسات المحاكمة كانت تجسيدا لمجموع كل هذه المصائب. هذه الندوب وهذه الروايات التي حملت لنا مرآة (…) لأناس منفتحين ومتسامحين في وجه الظلامية. قوة الناجين في مواجهة جبن الذين قتلوا. جمال الكلمات في مواجهة اللهجة التبسيطية لخطاب مبهم إلى حد الغثيان”.
ويحاكم ستة من المتهمين غيابيا ويعتقد أن خمسة منهم ماتوا. فيما حضر الـ14 الآخرون جلسات المحاكمة، وعلى رأسهم صلاح عبد السلام، آخر الباقين على قيد الحياة من المجموعة التي يعتقد أنها نفذت العملية.
وطلبت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب إنزال عقوبة السجن مدى الحياة من دون إمكان الإفراج المشروط، على عبد السلام.
وقالت محاميته أوليفيا رونان إن تلك العقوبة بمثابة “حكم بالإعدام البطيء”.
وطلب الادعاء عقوبة السجن مدى الحياة مع 22 سنة من دون إمكان الإفراج المشروط لمتهم آخر هو محمد عبريني. صديق طفولة صلاح عبد السلام الذي تحدث كثيرا خلال الجلسة مقرا بأنه “كان سيشارك في اعتداءات 13 نونبر” لكن من دون إعطاء تفاصيل حول عودته عن قراره.
كما طلب عقوبة السجن مدى الحياة بحق ثلاثة متهمين آخرين هم أسامة كريم وسفيان العياري ومحمد البقالي.
وطلب الحكم نفسه لخمسة من المتهمين الستة الغائبين وقتلوا على الأرجح في سوريا والعراق. بمن فيهم البلجيكي أسامة عطار الذي يعتقد أنه مدبر الهجمات.
وطلب أحكاما بالسجن لفترات تتراوح بين خمس سنوات وخمس وعشرين سنة بحق الآخرين.
مقاومة الثأر
وذكّرت هيئة الدفاع عن المتهمين الـ14 الذين حضروا الجلسات (11 موقوفا وثلاثة أحرار)، خلال الأسبوعيين الأخيرين من المحاكمة، المحكمة التي يرأسها جان لوي بيريي بأنه حتى “محاكمة تاريخية” لا يمكنها أن تتجاوز احترام القواعد. أي “تطبيق الإجراءات الجزائية وحقوق كل طرف”.
ومنذ رفع الجلسة الأخيرة عزل القضاة أنفسهم في ثكنة للتداول. وسيبقى القضاة المحترفون الخمسة الذين يشكلون محكمة الجنايات الخاصة وبدلاؤهم الأربعة في هذه الثكنة “الآمنة” التي ما زال مكانها “سريا” من دون إمكانية مغادرتها حتى صدور الأحكام.
وقال رئيس المحكمة الجمعة بعد انتهاء مرافعات الدفاع “لا أعرف كم من الوقت ستستغرق المداولات”.
وأضاف أن “المهم أن نتخذ القرار في الوقت المناسب. قد يكون (الأربعاء) عند الساعة 17:00 وقد يكون عند الساعة 18:00 أو 19:00 أو 20:00”.
الوصول لأوروبا عبر طريق المهاجرين
وساعدت معلومات جمعتها وكالة الشرطة الأوروبية “يوروبول” ووحدة التعاون القضائي الأوروبية “يوروجاست” والشرطة الفرنسية وعدد من أجهزة الاستخبارات الفرنسية، على تحديد كيفية تنفيذ هجمات باريس.
وأكدت التحقيقات استغلال تنظيم “الدولة الإسلامية” لمسالك الهجرة للوصول إلى أوروبا وتنفيذ عمليات إرهابية. إذ عُثر ليلة الهجمات على قطع ممزقة من جوازات سفر سورية قرب جثتي اثنين من الانتحاريين الثلاثة الذين فجروا أنفسهم قرب ملعب استاد دو فرانس.
وتبين بعد التحقيقات، أن الرجلين عراقيا الجنسية. دخلا إلى أوروبا عبر جزيرة ليروس اليونانية في 3 أكتوبر 2015. وكانا ضمن مجموعة من 198 مهاجرا غير قانوني.
ورصدت الشرطة لاحقا ضمن المجموعة ذاتها من المهاجرين الجزائري عادل حدادي والباكستاني محمد عثمان. اللذين اعتقلا لفترة وجيزة عند وصولهما إلى اليونان.
وألقي القبض عليهما في مأوى للمهاجرين في النمسا بموجب مذكرة توقيف أوروبية صدرت في 10 دجنبر 2015. وأقرا لدى استجوابهما بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” أرسلهما في مهمة انتحارية إلى فرنسا.
واكتشف المحققون خلال التحقيقات، أن معظم عناصر الوحدة الجهادية، وصلوا إلى أوروبا قادمين من سوريا على أنهم لاجئون.
وسلك معظمهم طريقا مماثلا، فوصلوا إلى اليونان بموجب جوازات سفر سورية مزورة. وعبروا في سيارات مستأجرة المجر والنمسا وألمانيا أو مروا عن طريق البلقان قبل الانتقال إلى بلجيكا.
مدبر الاعتداءات والشبكة اللوجستية
يعتبر المحققون الفرنسيون أسامة عطار مدبر اعتداءات باريس. ولم يتم القبض عليه، ويعتقد أنه قتل في ضربة جوية للتحالف الدولي في منطقة سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على الحدود بين العراق وسوريا.
حكمت عليه محكمة عراقية بالسجن عشرين عاما لدخوله البلاد بصورة غير قانونية. فتعرف في السجن على أبو محمد العدناني الذي أصبح لاحقا القيادي الثاني في تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقتل في ضربة أمريكية في 30 غشت 2016.
وأطلق سراح عطار في شتنبر 2012 لأسباب صحية. فعاد إلى بلجيكا قبل أن يغادر مجددا إلى سوريا في دجنبر 2013.
ويعتقد أنه لعب خلال مكوثه في بلجيكا “دورا أساسيا” في دفع قريبيه إبراهيم وخالد البكراوي إلى التطرف. واعتقلا لاحقا لارتكابهما عمليات سطو.
وغادر خالد البكراوي في نونبر 2014 إلى سوريا بعد خروجه من السجن في يناير. ثم عاد في دجنبر إلى بلجيكا حيث دبر مخابئ وأقام شبكة لوجستية في حي مولنبيك في بروكسل.
ومر العديد من الجهاديين الضالعين في اعتداءات باريس عبر هذه الشبكة قبل تنفيذ عملياتهم. ومن بينهم عبد الحميد أباعود، المعروف بلقب “أبو عمر البلجيكي”، الذي يشتبه بأنه دبر العديد من الاعتداءات في أوروبا بينها الهجوم الفاشل على قطار تاليس بين أمستردام وباريس في 21 غشت 2015. ويعتقد أنه كان قائد الوحدات التي نفذت الاعتداءات في العاصمة الفرنسية.
ووصل الجهاديون القادمون من سوريا إلى بلجيكا اعتبارا من أواخر غشت 2015 حاملين بطاقات هوية بلجيكية مزورة. فأقاموا في المخابئ التي استأجرها الشقيقان البكراوي.
ويعتقد المحققون أنهم اغتنموا الفترة الممتدة بين غشت ونونبر “لاقتناء المواد الضرورية لصنع بيروكسيد الأسيتون (مادة متفجرة تصنع من منتجات تباع في السوق) والحصول على ما يبدو على البنادق الهجومية التي استخدمت في 13 نونبر 2015”.