في إطار السعي المستمر لتعزيز التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة في قارة إفريقيا، استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الدورة الـ57 للجنة الاقتصادية لإفريقيا، حيث ترأس المغرب فعاليات هذه الدورة التي حضرها كبار المسؤولين من مختلف الدول الإفريقية. هذا الاجتماع، الذي جمع وزراء المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية، كان بمثابة فرصة استراتيجية لمناقشة التحديات الراهنة التي تواجه القارة، بالإضافة إلى تبني سياسات جديدة لتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز التعاون بين الدول.
وقد جاء تقرير اللجنة الاقتصادية لإفريقيا ليؤكد الدور المحوري الذي يلعبه المغرب في التجارة والتنمية بالقارة، مشيرًا إلى ريادته في عدة مجالات حيوية تدعم أهداف التنمية الإفريقية على المدى الطويل. وتعد هذه الدورة منصة هامة للحديث عن التقدم الذي أحرزته المملكة المغربية في تعزيز البنية التحتية والقدرة التنافسية في التجارة الإقليمية والدولية.
يُعتبر المغرب أحد أكبر المنتجين والمصدرين للأسمدة في العالم بفضل احتياطات الفوسفاط التي يملكها. وهذا الميزة جعلت من المملكة شريكًا استراتيجيًا للدول الإفريقية في مجال تحسين الإنتاج الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي، وهو ما ينعكس إيجابًا على التنمية الاقتصادية في القارة. وقد لعبت هذه الريادة في مجال الأسمدة دورًا رئيسيًا في دعم دول إفريقيا على مواجهة تحديات الإنتاج الزراعي، خاصة في ظل الظروف المناخية الصعبة التي تؤثر على العديد من المناطق. وهذا يضع المغرب في صدارة البلدان التي تساهم في استدامة التنمية الزراعية وتحقيق أهداف الأمن الغذائي.
في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولات اقتصادية كبيرة، يُعتبر تعزيز البنية التحتية في النقل واللوجستيات أحد الأعمدة الأساسية التي يسهم المغرب من خلالها في تعزيز التجارة الإقليمية والدولية. يُعد المغرب من بين الدول الرائدة في هذا المجال، حيث عمل على تطوير شبكة من الموانئ البحرية والمطارات الدولية التي تسهم في تسهيل حركة التجارة بين إفريقيا والعالم. يشمل ذلك ميناء طنجة المتوسطي، الذي يُعتبر واحدًا من أكبر الموانئ في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى المساهمة الكبيرة التي يقدمها مطار محمد الخامس الدولي في الدار البيضاء، الذي يعد بوابة رئيسية للنقل الجوي بين إفريقيا وأوروبا. هذه البنية التحتية المتطورة تمثل ركيزة أساسية لتسهيل التبادل التجاري بين الدول الإفريقية وبقية دول العالم، مما يعزز مكانة المغرب كمركز اقتصادي استراتيجي.
تُسهم سياسة الانفتاح التجاري التي ينتهجها المغرب في ترسيخ مكانته كحلقة وصل بين إفريقيا وبقية العالم. لقد أبرم المغرب عدة اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من البلدان والمنظمات، أبرزها اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة والتي تُعد نموذجًا فريدًا في تاريخ العلاقات التجارية بين الدول الإفريقية والولايات المتحدة. كما يواصل المغرب تعزيز تكامل الاقتصاد الإفريقي من خلال مشاركته الفعالة في المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وتُعتبر المملكة من الدول الرائدة في دعم مبادرات التنمية الاقتصادية في القارة، ويظهر ذلك جليًا من خلال تقديم الدعم التقني والاستثماري للدول الإفريقية في مختلف القطاعات.
من ناحية أخرى، يلعب المغرب أيضًا دورًا محوريًا في حماية البيئة وتعزيز الاستدامة البيئية في القارة الإفريقية. فمن خلال مشاركته في مبادرات بيئية إقليمية مثل الحزام الأخضر لمكافحة التصحر في منطقة الساحل الإفريقي، يُظهر المغرب التزامًا قويًا بتطوير حلول بيئية تسهم في التصدي لتحديات التغير المناخي على المدى الطويل. وقد أتاح مؤتمر وزراء المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية الإفريقية في أديس أبابا فرصة كبيرة للمغرب ليُبرز التزامه المستمر بدعم التنمية المستدامة في القارة، والتعاون الفعّال مع الدول الإفريقية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
إن الدورة الـ57 للجنة الاقتصادية لإفريقيا في أديس أبابا لم تكن مجرد حدث دبلوماسي فحسب، بل كانت بمثابة رسالة قوية من المغرب عن الدور الحيوي الذي يلعبه في تعزيز التجارة والتنمية في القارة الإفريقية. من خلال ريادته في إنتاج الأسمدة، وتطوير البنية التحتية للنقل، والانفتاح التجاري، إلى جانب استثماره في التنمية المستدامة، يؤكد المغرب مجددًا أنه لا يقتصر دوره على محيطه الإقليمي بل يمتد ليكون ركيزة أساسية في تطوير القارة الإفريقية وتعزيز مكانتها على الصعيد العالمي.