أعلن المغرب عن خطط لاستثمار ستة مليارات دولار في تطوير بنيته التحتية للغاز الطبيعي، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز قدرة المملكة على تلبية احتياجاتها الطاقية وضمان استدامة إمدادات الطاقة في المستقبل.
هذا المشروع الضخم لا يتوقف عند إنشاء موانئ ومحطات لتحويل الغاز فحسب، بل يشمل أيضًا بناء شبكة متطورة من الأنابيب لتغطية أغلب المناطق الصناعية الكبرى في البلاد، مما سيساهم في تعزيز مكانة المغرب كمركز للطاقة في شمال إفريقيا.
يأتي هذا التحرك في وقت حساس، حيث يعتمد المغرب بشكل كبير على واردات الغاز لتلبية احتياجاته الصناعية والكهربائية. على الرغم من أن المملكة تنتج بعض الغاز من حقول صغيرة في غرب البلاد، فإن احتياطياتها المحلية تشارف على النفاد، مما يدفعها إلى البحث عن حلول طويلة الأمد لتأمين إمدادات الطاقة. ومن هنا تبرز أهمية المشروع الذي يهدف إلى تنويع مصادر الطاقة والحد من الاعتماد على الأسواق الدولية.
من خلال هذا الاستثمار الكبير، يتوقع أن يعزز المغرب قدراته في مجال الغاز الطبيعي المسال، وذلك عبر إنشاء نقاط دخول جديدة للغاز المسال من الخارج، بالإضافة إلى تطوير شبكات تخزين ضخمة ومحطات تحويل الغاز. يُعتبر هذا المشروع خطوة هامة نحو تعزيز قدرة البلاد على مواجهة تحديات الطاقة المتزايدة، خاصة في ظل التوسع الصناعي والطلب المتزايد على الكهرباء في السنوات الأخيرة.
تسعى الحكومة المغربية من خلال هذه المبادرة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية في سياق استراتيجيتها الطاقية الوطنية.
الأول هو تأمين إمدادات الغاز الطبيعي في مواجهة التقلبات التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنظر إلى هشاشة إمدادات الغاز عبر الأنابيب.
الثاني هو تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتوسيع نطاق الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، حيث تلتزم المملكة بزيادة نسبة الطاقة المتجددة إلى 52% من إجمالي احتياجاتها الطاقية بحلول عام 2030.
أما الهدف الثالث فهو تعزيز البنية التحتية للطاقة بشكل عام، بما يشمل الغاز والطاقة المتجددة، لتلبية احتياجات البلاد المتزايدة.
تعتبر هذه المبادرة جزءًا من استراتيجية أوسع تركز على بناء شراكات مع القطاع الخاص لجذب الاستثمارات في هذا المجال الحيوي. من المتوقع أن يتمكن القطاع الخاص من لعب دور محوري في تمويل هذه المشاريع الضخمة، مما يعزز التعاون بين الحكومة والمستثمرين الدوليين والمحليين. وهو ما سيساعد المغرب على تحقيق أهدافه الطموحة في مجال الطاقة وتحقيق استقلال أكبر في تلبية احتياجاته الطاقية.
من الجدير بالذكر أن المشروع لا يقتصر فقط على الاستيراد والتخزين، بل يشمل أيضًا تطوير حقول الغاز المحلية، مثل حقل “تندرارا” البري وحقل “أنشوا” البحري.
كما يعتزم المغرب بناء خطوط أنابيب جديدة لنقل الغاز إلى مراكز الطلب الرئيسية، وذلك في إطار تعزيز القدرة المحلية على إنتاج وتوزيع الغاز بشكل أكثر كفاءة.
يُعتبر مشروع خط أنابيب الغاز “المغرب-نيجيريا” جزءًا من هذه الاستراتيجية، وهو مشروع يمتد عبر عدة دول ويهدف إلى تأمين إمدادات الغاز من نيجيريا إلى المغرب، مما سيعزز بشكل كبير من تنوع مصادر الغاز في المنطقة.
إن التوسع في هذا القطاع الحيوي سيساهم في تقليص الاعتماد على استيراد الطاقة من الخارج ويعزز الأمن الطاقي للبلاد. كما أنه يفتح المجال لفرص اقتصادية جديدة، حيث من المتوقع أن يخلق المشروع العديد من الوظائف في مجالات مختلفة، من بينها البناء والتشغيل والصيانة والتكنولوجيا.
بالرغم من التحديات المرتبطة بتأمين التمويل وتجاوز العقبات البيروقراطية، فإن المغرب يبدو مصممًا على تحقيق أهدافه في مجال الطاقة. إن هذه الاستثمارات الضخمة ستضع المملكة على الطريق الصحيح نحو تحقيق اكتفاء طاقي أكبر، وتحسين قدرتها التنافسية في السوق العالمية للطاقة.