رغم التحسن النسبي الذي سجلته وضعية السدود المغربية مقارنة بالعام الماضي، لا تزال الموارد المائية بالمملكة تواجه تحديات صعبة بسبب استمرار تراجع منسوب المياه وتوالي موجات الحرارة، خاصة خلال فصل الصيف الذي يعرف ارتفاعًا متزايدًا في درجات الحرارة.
وبحسب معطيات حديثة صادرة عن وزارة التجهيز والماء، بلغ حجم المياه المخزنة في السدود إلى حدود يوم السبت حوالي 6217,41 مليون متر مكعب، أي ما يعادل نسبة ملء إجمالية تقدر بـ37,09% من القدرة الاستيعابية الوطنية، والتي تبلغ 16,762.51 مليون متر مكعب. هذه الأرقام تعكس تحسنًا طفيفًا مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، حيث كانت نسبة الملء في حدود 29,69%، أي بزيادة قدرها 7.4 نقاط مئوية. غير أن هذا التحسن لم يكن كافيًا لطمأنة المهتمين بالوضع المائي في البلاد، خاصة مع استمرار التوقعات بارتفاع درجات الحرارة في الأسابيع المقبلة، ما ينذر بإجهاد مائي إضافي قد يؤدي إلى تراجع جديد في مستويات المياه المخزنة.
وتُظهر المعطيات وجود تفاوت كبير بين الأحواض المائية الرئيسية في المغرب. فقد احتل حوض أبي رقراق المرتبة الأولى من حيث نسبة الملء، والتي بلغت حوالي 63,67%، يليه حوض اللوكوس بنسبة 56,38%، ثم حوض سبو الذي يضم سد الوحدة، أكبر سد في المملكة، بنسبة ملء وصلت إلى 49,51%. بالمقابل، يعيش حوض أم الربيع وضعًا مائيًا حرجًا، حيث لم تتجاوز نسبة الملء فيه 11,42%، في حين بلغت نسبة الملء في سد بين الويدان التابع له نحو 15,80% فقط. أما حوض ملوية فسجل نسبة ملء في حدود 33,60%، مقابل 47% في حوض تانسيفت، بينما حافظ حوض زيز كير غريس على مستوى مقبول نسبياً بنسبة 54%.
هذا التفاوت بين الأحواض دفع جمعيات بيئية وفعاليات مدنية إلى دق ناقوس الخطر، مطالبة بترشيد استهلاك المياه وتسريع إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر وربط الأحواض المائية لتقليل الفوارق الجهوية في الموارد المائية. كما دعت إلى تعزيز البنية التحتية من خلال الاستثمار في السدود الصغرى والمتوسطة، وتحسين أنظمة المراقبة الهيدرولوجية، ووضع خطط استباقية للتعامل مع آثار التغيرات المناخية وتوالي السنوات الجافة.
وفي مواجهة هذه التحديات، أشارت الحكومة المغربية خلال اجتماع لجنة قيادة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، إلى تقدم ملحوظ في مجموعة من المشاريع الكبرى. من بينها مشروع الربط بين حوضي سبو وأبي رقراق، ومشروع ربط سد وادي المخازن بسد دار خروفة، بالإضافة إلى الانطلاق في عملية ملء ثمانية سدود كبرى ما بين 2021 و2025. كما تم تسريع وتيرة العمل في مشاريع تحلية مياه البحر، بهدف الوصول إلى طاقة إنتاجية تفوق 1.7 مليار متر مكعب سنويًا بحلول سنة 2030. وتشمل الإجراءات الحكومية أيضًا تعزيز تزويد المناطق القروية بالماء الصالح للشرب، وتوسيع استعمال المياه المعالجة في أغراض الري، وتعديل برامج تدبير السدود بما يتلاءم مع التحولات المناخية والمجالية.
وتبقى مسألة الأمن المائي في المغرب رهينة بمدى نجاعة هذه السياسات ومدى سرعة تنفيذها، في ظل استمرار الضغوط الطبيعية والمناخية، وارتفاع الطلب على المياه من مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.