الحدث بريس : الصادق عمري علوي .
تحدثنا في المقال الأول عن الميز العنصري وافتتحنا المقال بكون الاسم أو اللقب الذي يحمله الشخص او القبيلة ، ما هو إلا إحالة على هوية واصل …لا علاقة له بالطهر الدموي ، او النقاء العرقي والسلالي ، كما لا يحيل على أي عبقرية وذكاء وراثي او امتياز كيفما كان نوعه ، وأنه لا يعطي لاي كان صفة القداسة والنقاء الدموي فالناس سواسية أمام القانون سواء أكان وضعيا أو الاهيا .. وبينا بشكل موجز بعض أنواعه التي لازال منها ما يطلق عليه في علم الاجتماع :
_ ميز او “تمييز النوع” :
وهو المبني على الاختلاف في الخصائص الفسيولوجية ( “الشكل” والنفسية و القدرات العقلية … بين الرجل / المراة .
وهو الميز الذي يطال في شتى تمظهراته الاجتماعية والسياسية والإدارية ” المرأة ” التي تناضل من أجل الحصول على كرامتها التي أقرها الإسلام ، وأقرتها الأديان السماوية دون مزايدة ، او استخفاف او تشويه ،فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا في خطبة الوداع ، وكذا في العديد من الأحاديث الشريفة معتبرا النساء شقائق الرجال ، وطلب الرفق بالقوارير ، وأن النساء كان لهن الدور المشهود والواقعي في تقدم المجتمع ورقيه في شتى مناحي الحياة . فلا مجال إذن إلى انتقاص دورهن، أو الاستخفاف بقدراتهن .
_ الميز العنصري اللغوي :
كثيرا ما يركز الاستعمار الغربي على التعدد اللغوي . لاشعال فتيل الحروب والصراع اللغوي لدى الشعوب و الدول المتخلفة أو السائرة في طريق النمو ، بما يوفره من أجواء عنصرية ، ممنهجة ومدروسة لتحسيس الأقليات أو الأكثريات بالتفوق اللغوي او بالغبن والقهر والدونية اللغوية ودعوتها إلى سلوك الطريق الآخر … لخلق التفرقة والعنصرية حتى يستتب للمستعمر السيطرة ، والهيمنة مع العلم انه الطريق المؤدي إلى التفتيت والتشتيت وإشاعة البلبلة ، ونبذ مسالك الحوار والتواصل الإنساني، الثقافي الديمقراطي المشترك بين أبناء الشعب ، والمجموعات البشرية التي تعيش في محيط جغرافي واحد.
فهناك العديد من النماذج التي يشهد التاريخ على كون الصراع اللغوي بين الدول الإفريقية على سبيل المثال أدى إلى تمزقها وانقسامها الى دويلات قزمية مجهرية ، تحت ذرائع اللغات او اللهجات : المتفوقة في مقابل اللغات واللهجات الدونية ” هذه الاخيرة التي لا تصلح وسيلة للتواصل والحوار ومعرفة العالم ووسيلة للتقدم العلمي والتكنولوجي ، ولذلك تصبح محور للضربات والمحو الممنهج من طرف الأجندة الاستعمارية التي تخلق أوجه الصراع اللغوي بالوكالة في مختلف الدول وتجند لذلك الإعلام بمختلف أشكاله السمعية والبصرية لايهام الشعوب أنها تدافع عن حقوق الأقليات إنسانيا ، في حين أنها تركز على ترسيخ لغاتها الخاصة ، ومحو اللغات الأخرى ، او إعطاء سمات الغلبة والتفوق للغة أخرى على حساب اللغات الأخرى .. مما يحدث شرخا في بنية المجتمعات التي تعيش في المحيط والهواء والطبيعة الجغرافية الواحدة .
.. واعتبارا لخطورة التمييز أو الميز العنصري بشتى تلاوينه فإن الدستور المغربي ل: 2011 سيما الفصل الخامس اعتبر ” إن المغاربة جميعا سواسية ، في الحقوق والواجبات، سواسية أمام القانون دون تمييز، سواء كان هذا التمييز مستندا الى اعتبارات تتعلق باللغة أو الجنس أو الدين أو الثقافة أو الانتماء السياسي ، أو الثقافي أو الجهوي، ذلك أن تنوع أصول الساكنة بالمغرب بين عرب وأمازيغ، مسلمين ومسيحيين ، بيض وسود، الذي كان وما زال يشكل مصدرا للتنوع والغنى الثقافي الداعمين للوحدة والتماسك حيث عاشوا تاريخيا جنبا إلى جنب عبر قرون وتلك إحدى السمات والمزايا والخصائص المتجلية عيانا داخل مكونات الشعب المغربي “.
ولتأكيد توجه المغرب الهادف إلى محاربة كل مظاهر الميز العنصري تم اعتماد مجموعة التدابير الهادفة إلى اعتماد المساواة بين مختلف مكونات الشعب المغربي وتمتين أسس التنمية السوسيو اقتصادية والثقافية، مع التركيز على أن مؤسسات حماية ” حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا ” تشكل بوابة لتوفير القوانين التشريعية المناسبة لمحاربة كل أشكال الميز العنصري في إطار منظور شمولي يستهدف بناء صرح مشروع مجتمعي ، حداثي تشاركي يعتمد على أسس الحكامة الجيدة ، والفرص المتكافئة من هنا فقد أقر دستور المغرب الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011 صراحة في تصديره على منع جميع أشكال التمييز ومظاهر العنصرية، إذ جاء فيه «حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة او الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان .».
لكون المشرع المغربي عرف التمييز العنصري وحدد عقوبات خاصة بمرتكبيه في القانون الجنائي، إذ نص الفصل 1-431 على أنه ” تكون تمييزا كل تفرقة بين الأشخاص الطبيعيين بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي ، أو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء ، أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين. تكون أيضا تمييزا كل تفرقة بين الأشخاص المعنوية بسبب أصل أعضائها أو بعض أعضائها ،أو جنسهم أو وضعيتهم العائلية أو حالتهم الصحية أو إعاقتهم أو آرائهم السياسية أو أنشطتهم النقابية أو بسبب انتمائهم أو عدم انتمائهم الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين». ونص في الفصل 2-431 على العقوبات المترتبة عن جنحة التمييز بقوله: «يعاقب على التمييز كما تم تعريفه في الفصل 1-431 أعلاه بالحبس من شهر إلى سنتين وبالغرامة من ألف ومائتين إلى خمسين ألف درهم” من هنا نجد أن المغرب في إطار محاربته الميز العنصري في شتى مناحي الحياة أصدر عدة قوانين تجرم الميز، منها الفصول 9 و36 و478 بمدونة الشغل، التي تمنع الميز العنصري في مجال التشغيل والتوظيف. كما أن الفصل 51 من القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية يمنع أي تمييز في معاملة السجناء على أساس العرق أو اللون أو الجنسية أو اللغة وغيرها. وكذا قانون الصحافة لسنة 2003، الذي يعاقب في فصله 39 مكرر أي تشجيع للميز العرقي أو الكراهية أو العنف العرقي. إضافة إلى قانون الأحزاب، الذي يؤكد على بطلان كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على دافع أو غاية مخالفة لأحكام الدستور أو على أساس ديني أو لغوي أو عرقي. وهو ما استندت إليه المحكمة الإدارية بالرباط، التي قضت ابتدائيا سنة 2008 بحل الحزب الديمقراطي الأمازيغي، مرتكزة في ذلك على مقتضيات المادة الرابعة من القانون رقم 04 -36 المتعلق بالأحزاب السياسية “.
وكذا مصادقة المغرب على عدد من المعاهدات الدولية المناهضة للعنصرية .
غير أن مثل هذه الاتفاقيات والمعاهدات تبقى غير مفعلة بالشكل المطلوب ، حسب عدد من الحقوقيين. وعدم تطبيق المغرب للاتفاقيات الدولية المناهضة للعنصرية، رغم مصادقته عليها، يشكل في حد ذاته تهديدا لمصداقيتها… لتجاوز المنطق السلالي القبلي ) الذي اعتمده المستعمر الإسباني والفرنسي بالمغرب ( والذي يقف حجر عثرة أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية … لجميع المناطق والجهات المغربية في التزام تام بالوحدة المحتضنة لثراء التنوع الثقافي واللغوي للمغرب حماية له من موجات الهيمنة والتوجيه الخارجي على مستوى نظمه التعليمية و التثقيفية الوطنية .