كل شيء عاد مقلقا في الجزائر، وكل شيء صار يدعو للريبة والخيفة والتوجس، فبعد اختفاء الرئيس السابق بوتفليقة أعواما طويلة ثُم انتفاضة الشعب حول مصيره، خرج من بين الركام لِيُطَمئن الشعب بأنه زاهد في الرئاسة، وما زال كرسي الرئاسة لم يتعود على خاصرة الرئيس الجديد “تبون” حتى اختفى بدوره شهورا طويلة وكأن السماء اختطفته أو أن الأرض ابتلعته، ليعاود الظهور مرة أخرى بعدما صارت الجزائر قِبلةً للنكت والمستملحات في كافة أرجاء المعمور.
كل شيء يختفي هناك، يتبخر كقطرات ماء لامست حرا شديدا، أو كقطعة جليد اكفهرت في وجهها أشعة الشمس الحارقة، مخازن الزيت والطحين ومستودعات السكر والسميد، بل حتى قطعان الأبقار والمعز أصابتها الحيرة والذهول حينما اختفت من ضروعها الحليب والألبان.
ما من شيء في الكونإلا ويسير بقدر وبمقدار، وحاشا أن تقف في خلق الله تعالى على عبث أو تهافت أو تحابيٌّ لأيٍّ كان، فحينما يختفي عن نظام من الأنظمة مبادئ الحكم وسمات الصدق والمروءة وحسن الجوار، وحينما تُعْوِزه أخلاق الحق والعدل التي بهما تقوم السماوات والأرض، كان من الطبيعي أن تختفي عنه الخيرات والبركات، وكان من البديهي أن تَنْفِر بجلدها إلى حيث الحق والعدل.
هكذا قَفَرَت البساتين الغنَّاء بعدما عفَّت السماء عن مغازلة تربةٍ ينبُتُ بها نظام مُوغِل في الحقارة والدناءة، وهكذا جفت الأرض من النفط لما تلقَّت جنرالات العسكر نعمة الله بالعلو والفساد والطغيان، وهكذا اختفى بدوره رئيس الجمهورية الصحراوية الوهمية مِنْ بين ركامٍ مِنَ الإشاعات التي لا تتوقف ولا تنتهي، وبنفس الطريقة سيختفي مَن سيأتي مِن بعده الواحدَ تلو الآخر.
إلا أنه حينما يختفي كل شيء، يظهر الشعب الجزائري العظيم من بين غياهب النسيان ليصرع الجن الذي طالما تخبط في أجساد الجنرالات المَمْسوسين، ويمحقَ العفريت الذي شاركهم الأموال والقصور والشهوات حتى باتوا ممسوخين، فيقرأ على أرواحهمالنتنة -برواية ورش عن نافع- سورة الفاتحة وآية الكرسي وما تيسر من سورة ياسين.