تخشى مصر من تداعيات وصول إسلاميين إلى السلطة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. وذلك بسبب تجربتها مع جماعة الإخوان المسلمين و”الخطوط الحمر” التي تم تخطيها في ظل التطورات الأخيرة حسبما قال مراقبون. كما أشاروا أيضا إلى توجس مصري من آثار التغييرات الحاصلة في التوازن الجيوسياسي وإمكانية تحول غريمتها تركيا إلى أقوى حليف لقادة دمشق الجدد بالمنطقة.
يبعث وصول إسلاميين إلى سدة الحكم في سوريا بعد إطاحة فصائل المعارضة بنظام بشار الأسد توجسا في مصر، بعد عشر سنوات من تولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة إثر إسقاط جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت مصر تدعم الأسد حتى آخر لحظاته في الحكم، لكنها باتت تشعر بالقلق حاليا مع تولي إسلاميين من هيئة تحرير الشام السلطة في سوريا منذ 8 ديسمبر/كانون الأول، مخافة توسع وامتداد تأثير هذا التغيير بالمنطقة.
وأكدت القاهرة تأييدها للنظام السابق في دمشق حتى قبل ثلاثة أيام من إطاحته، وانتظر وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي ثلاثة أسابيع قبل أن يتصل بنظيره السوري الجديد أسعد الشيباني داعيا سلطات الأمر الواقع إلى تنفيذ عملية انتقال سياسي “تتّسم… بالشمولية”.
والسبت، أعلنت وزارة الخارجية في القاهرة أن طائرة شحن حطت في مطار دمشق حاملة أول مساعدات إنسانية مصرية منذ الإطاحة بالأسد.
وخلال الأيام التي أعقبت سقوط الأسد اتسمت تصريحات السيسي بالحذر. وقال خلال لقاء مع صحافيين إن “أصحاب البلد” هم من يتخذون القرارات في الوقت الحالي في سوريا و”إما أن يهدموها أو يبنوها”.
الإسلاميون وخطوط مصر الحمراء.
من جانبها، قالت الباحثة في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن ميريت مبروك إن “رد الفعل المصري كان حذرا جدا”. ورأت أن خطوط مصر الحمر هي الأمن والإسلاميون والجهات الفاعلة غير الحكومية. مضيفة: “لكن في سوريا اليوم، هناك في السلطة جهات فاعلة غير حكومية وإسلاميين، وهذا بمثابة استفزاز لمصر”.
بمجرد سقوط الأسد، اتخذت القاهرة إجراءات وقائية. وأكدت المبادرة المصرية لحقوق الإنسان أن قوات الأمن اعتقلت 30 سوريا كانوا يحتفلون بسقوط الأسد، ثلاثة منهم يواجهون الترحيل. كما شددت مصر التي يعيش فيها حوالي 150 ألف سوري القيود على منح تأشيرات للسوريين.
وبثّت قنوات موالية للحكومة المصرية شريطا مصورا يعرض مشاهد اضطرابات وتدريبات عسكرية ومشاريع تنمية مرفقا بخطاب ألقاه السيسي عام 2017 أكد فيه أن الجهات الواقفة وراء الحرب في سوريا يمكن أن تتحول إلى مصر.
كما وردت على منصات التواصل صورة حديثة للقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع إلى جانب القيادي الإخواني محمود فتحي الذي صدر بحقه حكم غيابي بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات.
ولا يحمل وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة في أعقاب هجوم خاطف ما يطمئن القاهرة، إذ إن الهيئة كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة ونالت مع وصولها السلطة دعما واضحا من تركيا حليفة جماعة الإخوان المسلمين.
وتعيد هيئة تحرير الشام إلى الأذهان فترة حكم الإخوان القصيرة التي استمرت عاما في مصر بقيادة الرئيس السابق محمد مرسي، كما تتعارض مع صورة السيسي باعتباره حصنا في مواجهة الإسلام السياسي.
وفي حين تراجعت حدة لهجة هيئة تحرير الشام، وتعهدت بحماية الأقليات واعدة بعدم “تصدير الثورة”، إلا أن الشكوك ما زلت تساور مصر.
تغير التوازن الجيوسياسي.. تراجع إيراني لصالح تركيا.
كما أدى سقوط النظام السوري إلى تغيّر التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط مقلصا نفوذ إيران حليفة الأسد وممهدا الطريق أمام تركيا التي تدعم فصائل من المعارضة السورية منذ أمد.
ونظرا للتنافس بين القاهرة وأنقرة، يغذي هذا التغيير مخاوف مصر من أن تصبح تركيا أقوى حليف لسوريا، رغم أن علاقات الطرفين شهدت تحسنا مؤخرا، بعدما كانت متوترة.
وبادرت القاهرة إلى التواصل مع الإدارة الجديدة في سوريا بعدما أجرت دول الخليج وبينها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر اتصالات معها. إلا أن مصر تعتبر بأن حدوث أي تقارب سيكون بشروط.
في هذا السياق، أشارت ميريت مبروك إلى أن القاهرة تشدد خصوصا على مبدأ تقاسم السلطة الذي من شأنه أن يمنع الإسلاميين من احتكار الحكم في دمشق.