استقبل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، مساء اليوم الثلاثاء بالرباط، الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما، في زيارة غير مسبوقة تحمل دلالات سياسية ودبلوماسية عميقة، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.
ويأتي هذا اللقاء في سياق تصاعد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي بالصحراء، بعد أن أعلن حزب “أومكونتو ويسيزوي” (رمح الأمة)، الذي يتزعمه زوما، تأييده الرسمي للحل السياسي الذي تقدم به المغرب منذ عام 2007، واصفاً إياه بـ”الحل الواقعي والعملي” القادر على إنهاء النزاع الإقليمي الممتد منذ عقود. ويُعد هذا الموقف تحولاً كبيراً في المشهد السياسي الجنوب إفريقي، الذي ظل لسنوات طويلة أحد أبرز الداعمين الدوليين لجبهة البوليساريو الانفصالية، إلى جانب الجزائر.
وقد أحدث موقف زوما ضجة سياسية وإعلامية واسعة، خاصة أنه يمثل انقساماً واضحاً داخل الساحة السياسية الجنوب إفريقية، حيث يتصادم مباشرة مع موقف حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي ظل يدعم بشكل مطلق الرواية الانفصالية.
ورغم أن زوما لا يشغل حالياً منصباً رسمياً، إلا أن وزنه السياسي وتأثيره الكبير، باعتباره رئيساً سابقاً للبلاد، يجعلان من هذه الخطوة حدثاً استراتيجياً قد يؤثر على التوجهات الدبلوماسية المستقبلية لجنوب إفريقيا.
وتأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه القارة الإفريقية تراجعاً ملحوظاً في الدعم الدولي للبوليساريو، حيث انضمت عدة دول إفريقية، مثل كينيا وغانا، إلى قائمة المؤيدين لمقترح الحكم الذاتي المغربي، كما أعلنت بريطانيا مؤخراً دعمها لهذا الحل باعتباره الأكثر واقعية وانسجاماً مع مبادئ الأمم المتحدة. ويُعتبر هذا التحول ضربة قوية للجزائر، التي ظلت تعتمد على جنوب إفريقيا كحليف رئيسي في حملتها الدبلوماسية ضد المغرب.
ولا يُستبعد أن تكون زيارة زوما إلى الرباط مقدمة لإعادة تقييم جذري لسياسة جنوب إفريقيا الخارجية، خاصة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أظهرت تراجعاً كبيراً لحزب المؤتمر الوطني وبروز قوى معارضة قد تعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية. فزوما، الذي يبرز كأحد المرشحين المحتملين لقيادة البلاد مرة أخرى، قد يكون بصدد إرسال رسالة واضحة حول توجه جديد يبتعد عن السياسات التقليدية المؤيدة للبوليساريو.
هذه التطورات تفتح الباب أمام أسئلة كبرى حول مستقبل النزاع في الصحراء، ومدى قدرة الدبلوماسية المغربية على تعزيز مكاسبها في القارة الإفريقية، في وقت تبدو فيه الجزائر أمام تحديات متزايدة في الحفاظ على تحالفاتها الإقليمية. فهل تشكل زيارة زوما نقطة تحول في الموقف الجنوب إفريقي؟ الإجابة قد تكشف عنها الأشهر المقبلة.