في تحرك مثير للجدل، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عرض خطة سلام جديدة تهدف إلى إنهاء الحرب المتواصلة بين روسيا وأوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتتضمن الخطة المقترحة اعتراف الولايات المتحدة بسيادة موسكو على شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، في خطوة من شأنها أن تمثل قطيعة واضحة مع السياسة التقليدية الأميركية الرافضة للاعتراف بضم الأراضي بالقوة.
وقدمت إدارة ترمب مقترحها خلال لقاءات دبلوماسية جرت في لندن الأسبوع الماضي، في وقت يواصل فيه الصراع الروسي الأوكراني استنزاف الجهود الدولية الرامية لإيجاد مخرج سياسي للأزمة. وبحسب الصحيفة، فإن المقترح أثار مخاوف كييف، التي لطالما اعتبرت أن أي تنازل أميركي بشأن القرم من شأنه أن يقوض آمالها في استعادة وحدة أراضيها مستقبلاً.
يُذكر أن ترمب سبق وأن ألمح، خلال حملته الانتخابية، إلى إمكانية مراجعة الموقف الأميركي تجاه القرم، مشيراً إلى أن “شعب القرم، بناءً على ما سمعه، يفضل أن يكون مع روسيا”، وهو موقف تباين بوضوح مع خط السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وكذلك مع مواقف الحلفاء الغربيين.
وتأتي هذه المبادرة في سياق جهود دبلوماسية متجددة لوقف القتال، لا سيما مع سيطرة القوات الروسية على ما يقارب خمس مساحة أوكرانيا. غير أن طرح مسألة الاعتراف بسيادة موسكو على القرم ضمن خطة السلام المقترحة، اعتُبر مؤشراً مقلقاً بالنسبة للعديد من الخبراء والدبلوماسيين، الذين حذروا من خطورة إضفاء الشرعية على التغييرات الحدودية التي تفرض بالقوة العسكرية.
ورغم أن إدارة ترمب أصدرت في يوليو 2018 ما يعرف بـ”إعلان القرم”، عبر وزير الخارجية حينها مايك بومبيو، والذي تعهد فيه بمواصلة عدم الاعتراف بضم القرم، إلا أن مراقبين أشاروا إلى أن التباين في المواقف داخل الإدارة كان واضحاً، حيث تبنى بومبيو مواقف أكثر صرامة من تلك التي عبر عنها الرئيس.
وفي معرض تعليقه على الخطة الجديدة، اعتبر الدبلوماسي الأميركي المخضرم دانيال فريد أن اقتراح الاعتراف بسيادة روسيا على القرم يمثل “أسوأ جوانب” المبادرة، محذراً من خطورة تجاوز الخط الفاصل بين القبول المرحلي بأمر واقع مفروض بالقوة وبين الاعتراف الرسمي بتغيير الحدود الدولية.
في موازاة ذلك، استمر مجلس الشيوخ الأميركي، عبر شخصيات مثل السيناتور ماركو روبيو، في تعزيز موقف واشنطن الرافض للاعتراف بأي مطالبات روسية بأراضٍ أوكرانية، من خلال تشريعات تحظر على الإدارة اتخاذ أي خطوات رسمية بهذا الاتجاه، في محاولة لمنع خلق سابقة قد تشجع أنظمة أخرى، كالصين مثلاً، على انتهاج أساليب مماثلة.
ومع ذلك، لا يخفي بعض المراقبين قلقهم من أن تفرض الاعتبارات الواقعية نفسها على صانعي القرار، خصوصاً مع استمرار عجز أوكرانيا عن استعادة المناطق الشرقية المحتلة، ما يجعل الحديث عن استعادة القرم يبدو بعيد المنال. ويكتسي هذا الإقليم أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة لموسكو، بالنظر إلى احتضانه لقاعدة أسطول البحر الأسود في سيفاستوبول، المدينة ذات الإرث العسكري والتاريخي العميق.
وسط هذه المعطيات المتشابكة، تبدو الحرب الأوكرانية أمام مفترق طرق بالغ الحساسية، حيث ستحدد الخيارات المقبلة، سواء أكانت عبر تسوية دبلوماسية أم عبر استمرار النزاع، شكل النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب، ومعايير التعامل مع قضايا السيادة والوحدة الترابية في عالم تتزايد فيه النزاعات الإقليمية والتحديات الأمنية.