في ظل تراجع مستوى الخدمات الصحية وارتفاع الضغط على المستشفيات العمومية، خاصة في المناطق القروية والجبلية التي تعاني خصاصاً كبيراً في الأطر الطبية، تتجه الحكومة المغربية إلى البحث عن حلول عاجلة لتعزيز المنظومة الصحية. ومن بين أبرز الخيارات المطروحة استقطاب أطباء أجانب، وفي مقدمتهم الأطباء الصينيون، الذين يمتلكون تجربة ممتدة في المغرب منذ سبعينيات القرن الماضي .
وتكتسي زيارة الوفد المغربي إلى الصين، وبالخصوص إلى مدينة شنغهاي، أهمية خاصة في هذا السياق، حيث تندرج ضمن جهود المملكة لتعزيز التعاون الثنائي في المجال الطبي. وخلال هذه الزيارة، اطلع المسؤولون المغاربة على أحدث تقنيات إدارة المستشفيات التي تعتمدها الصين، إضافة إلى النظم الرقمية المتقدمة التي تستعملها في تتبع المرضى وتحسين جودة الخدمات الصحية. كما شكلت الزيارة فرصة لعقد لقاءات ثنائية مع مسؤولين صينيين لبحث سبل توسيع التعاون، سواء من خلال تكوين الأطر الطبية المغربية في المستشفيات الصينية، أو عبر إرسال فرق طبية صينية إضافية للعمل في المغرب.
وشارك الوفد المغربي أيضاً في احتفال تخليد الذكرى الخمسين لإرسال الفرق الطبية الصينية إلى المغرب، مشيراً إلى القيمة المضافة للتعاون جنوب-جنوب، وموضحاً أن الشراكة الطبية بين البلدين، التي انطلقت عام 1975، أسفرت عن إرسال أكثر من 2000 طبيب وممرض صيني إلى المغرب، مما ساهم في تعزيز الرعاية الصحية في عدد من الجهات.
ويطمح البلدان حالياً إلى توسيع نطاق التعاون ليشمل مجالات جديدة مثل التطبيب عن بُعد، والتكوين المستمر، واستخدام التقنيات الطبية المتقدمة، بما يعزز قدرات المنظومة الصحية المغربية ويرفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
التعاون الطبي المغربي–الصيني: تاريخ ممتد
لم يكن التعاون بين المغرب والصين في المجال الصحي وليد اليوم، بل يعود إلى ستينيات القرن الماضي، حيث أرسلت بكين أول بعثة طبية إلى المغرب سنة 1975. ومنذ ذلك الحين، توالت الدفعات بشكل منتظم، إذ ساهم مئات الأطباء الصينيين في تقديم الخدمات الطبية، خصوصاً في التخصصات الجراحية والطب التقليدي الصيني، إضافة إلى العمل في المناطق التي تعاني خصاصاً حاداً في الأطر الطبية.
هذا التعاون ساهم في تخفيف الضغط على المستشفيات المغربية، خاصة في الجهات النائية مثل درعة تافيلالت والجهة الشرقية والأقاليم الصحراوية. كما عزز التبادل الثقافي والطبي بين البلدين، حيث استفاد بعض الأطباء المغاربة من تكوينات في الجامعات الصينية.
حاجة متزايدة للأطباء الأجانب
رغم هذه الجهود، لا يزال المغرب بعيداً عن تحقيق المعدل العالمي الموصى به من طرف منظمة الصحة العالمية، الذي يحدد 2.3 طبيب لكل ألف نسمة. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن المغرب يتوفر على حوالي 1.2 طبيب فقط لكل ألف نسمة، وهو رقم يعكس حجم الفجوة التي يجب سدها.
ومع استمرار هجرة الأطباء المغاربة إلى أوروبا وكندا والخليج بحثاً عن ظروف أفضل، تزداد حاجة البلاد إلى استقطاب المزيد من الكفاءات الأجنبية. وفي هذا السياق، يبرز خيار جلب مزيد من الأطباء الصينيين كحل مؤقت وفعّال لتقوية المنظومة الصحية، خاصة مع التجربة الناجحة التي أثبتتها البعثات السابقة.