كشف تقرير “الحالة العالمية للديمقراطية 2025: الديمقراطية في حالة تحرك”، الصادر عن المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (إنترناشونال آيديا)، أن وضع الديمقراطية في المغرب خلال سنة 2024 اتسم باستقرار نسبي في بعض المؤشرات، مقابل استمرار اختلالات بنيوية في مؤشرات أخرى، وذلك في سياق دولي يتسم بتراجع عام في الأداء الديمقراطي وازدياد الضغوط المرتبطة بالأمن والصراعات وعدم اليقين السياسي.
وأوضح التقرير أن المغرب حل في مراتب متوسطة إلى متأخرة ضمن المؤشرات الأربعة المعتمدة في التقييم، وهي التمثيل، والحقوق، وسيادة القانون، والمشاركة، مع تسجيل تفاوت واضح بين هذه الأبعاد، ما يعكس مسارا ديمقراطيا مركبا مقارنة بالاتجاهات الإقليمية والدولية.
وبحسب معطيات التقرير، حصل المغرب خلال سنة 2024 على مؤشر التمثيل السياسي بنقطة بلغت 0.432، محتلاً المرتبة 107 عالميا من أصل نحو 170 دولة شملها التصنيف، ضمن نطاق ترتيب محتمل يتراوح تقريباً بين المرتبتين 100 و113. ويقيس هذا المؤشر طبيعة التمثيل السياسي، بما في ذلك التعددية الحزبية، والتنافس الانتخابي، وشمولية العملية السياسية.
ويضع هذا الترتيب المغرب ضمن الشريحة الدنيا من الدول ذات الأداء المتوسط، بعيداً عن الديمقراطيات الراسخة، لكنه في المقابل متقدماً على عدد من الدول التي تشهد انهيارات مؤسساتية أو أنماط حكم سلطوية مغلقة، خصوصاً في بعض مناطق إفريقيا والشرق الأوسط.
وأشار التقرير إلى أن نتائج التمثيل السياسي بالمغرب تعكس استمرار وجود مؤسسات انتخابية وانتظام نسبي في الاستحقاقات، غير أن جودة التنافس السياسي ومستوى التأثير الفعلي للتمثيل البرلماني والحزبي في صناعة القرار يظلان محدودين مقارنة بالمعايير المعتمدة في الديمقراطيات المتقدمة.
ويأتي هذا التقييم في سياق دولي شهد خلال سنة 2024 تنظيم 74 انتخابات وطنية حول العالم، وهي سنة وصفها التقرير بغير المسبوقة من حيث كثافة العمليات الانتخابية، لكنها سجلت في المقابل تراجعاً حاداً في جودة التمثيل السياسي، حيث بلغ عدد الدول المتراجعة في هذا المجال سبعة أضعاف عدد الدول التي تحسن أداؤها، وهو اتجاه لم يكن المغرب بمنأى عنه.
أما على مستوى مؤشر الحقوق، فقد حصل المغرب على نقطة 0.509، محتلاً المرتبة 77 عالمياً، ضمن مجال ترتيب محتمل يتراوح تقريباً بين 62 و96. ويشمل هذا المؤشر الحقوق الأساسية، بما فيها الحقوق المدنية والسياسية، وحرية التعبير، وحرية التنظيم، وحماية الأفراد من الانتهاكات.
ووضع التقرير أداء المغرب في مجال الحقوق ضمن سياق إقليمي يتسم بتفاوت واضح، حيث تعرف عدة دول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط تراجعات حادة في الحقوق والحريات، في حين تحافظ دول أخرى على مستويات متوسطة دون تحقيق تحسن نوعي ملموس.
وعلى الصعيد الدولي، أبرز التقرير أن مؤشر الحقوق عرف ضغوطاً متزايدة خلال السنوات الأخيرة نتيجة تصاعد النزاعات المسلحة، وتوسع تشريعات الطوارئ، وفرض قيود على الإعلام والمجتمع المدني في عدد متزايد من الدول، وهو ما أثر على المتوسط العالمي، وجعل الحفاظ على مستويات مستقرة في هذا المؤشر يُعد إنجازاً نسبياً مقارنة بالانحدارات الحادة المسجلة في مناطق أخرى.
وفي ما يتعلق بمؤشر سيادة القانون، حصل المغرب سنة 2024 على نقطة 0.396، محتلاً المرتبة 103 عالمياً، وهو من أضعف المؤشرات في التقييم العام. ويقيس هذا المؤشر استقلال القضاء، وتكافؤ الجميع أمام القانون، وفعالية المؤسسات القضائية، واحترام القواعد والإجراءات القانونية.
وأشار التقرير إلى أن سيادة القانون تُعد أضعف الأبعاد الديمقراطية أداءً على المستوى العالمي، مع تسجيل تراجعات حتى في مناطق كانت تُعد تاريخياً قوية في هذا المجال، مثل أوروبا. كما أبرز أن ضعف هذا المؤشر يحد من فعالية باقي الأبعاد الديمقراطية، ويؤثر سلباً على الثقة في المؤسسات.
وفي السياق الإقليمي، سجل عدد من بلدان شمال إفريقيا نتائج متقاربة أو أدنى من المغرب في مؤشر سيادة القانون، ما يعكس تحديات بنيوية مشتركة مرتبطة بإصلاح منظومة العدالة، وتعزيز استقلال القضاء، وترسيخ مبدأ المساءلة، في ظل ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية متداخلة.
أما مؤشر المشاركة، فقد حقق فيه المغرب نتيجة 0.531، محتلاً المرتبة 96 عالميا، مع تسجيل تحسن بـ13 مرتبة مقارنة بالسنة السابقة. ويقيس هذا المؤشر مشاركة المواطنين في الحياة العامة، بما في ذلك المشاركة الانتخابية، والانخراط في المجتمع المدني، والاحتجاجات السلمية، وأشكال التعبير الجماعي.
واعتبر التقرير أن المشاركة تظل البعد الأكثر صموداً في الديمقراطية على المستوى العالمي، حيث ظلت نتائجها مستقرة نسبياً مقارنة ببقية المؤشرات، وهو ما يفسر قدرة بعض الدول، من بينها المغرب، على الحفاظ على مستويات مشاركة متوسطة رغم الضغوط السياسية والاقتصادية.
وربط التقرير في خلاصته بين المسارات الديمقراطية والتحولات الجيوسياسية العالمية، مشيرا إلى أن تصاعد النزاعات المسلحة، وإعادة ترتيب الأولويات الأمنية، وتحول التمويلات الدولية، تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على جودة الديمقراطية، خصوصاً في الدول المتوسطة الدخل أو الواقعة في مناطق توتر إقليمي.
وفي هذا الإطار، يندرج المغرب ضمن دول تسعى إلى الحفاظ على قدر من الاستقرار المؤسسي داخل بيئة إقليمية مضطربة تشهد انقلابات عسكرية ونزاعات مفتوحة وتراجعا حادا في مؤشرات الحكم الديمقراطي















