في سياق التوترات العالمية التي تشهدها الساحة السياسية، برزت مؤخرًا مواقف جديدة لوزراء خارجية مجموعة السبع الكبرى حول قضايا رئيسية تهم الأمن الدولي. كان من أبرز هذه القضايا الحرب الأوكرانية المستمرة، والتي أسفرت عن تزايد الضغوط على روسيا من أجل التوصل إلى تسوية سلمية، إضافة إلى ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. البيان المشترك لوزراء خارجية مجموعة السبع، الذي صدر بعد سلسلة من الاجتماعات والضغوط المتبادلة بين واشنطن وحلفائها، يكشف عن تحول في السياسة الغربية في بعض الملفات الحساسة.
أولاً، كان التأكيد على وحدة أراضي أوكرانيا وحمايتها من العدوان الروسي بمثابة رسالة واضحة لأكثر من طرف، خصوصًا موسكو، التي لا تزال تحتفظ بجزء كبير من الأراضي الأوكرانية. البيان أعرب عن دعم قوى مجموعة السبع المستمر لأوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي، مشددًا على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، لكنه لم يكتفِ بهذا الطرح البسيط. بل ركز على أهمية أن تكون الهدنة مصحوبة بتطمينات أمنية، وهو ما يهدف إلى ضمان أن أوكرانيا ستكون قادرة على ردع أي عدوان مستقبلي. التغيير الذي طرأ في نص البيان، حيث تم استبدال كلمة “الضمانات” بكلمة “التطمينات”، يعكس تحولًا في التفكير الاستراتيجي الغربي. فبدلاً من التركيز على ضمانات قانونية قد تكون صعبة التنفيذ في الظروف الحالية، جرى التركيز على إيجاد ترتيبات أمنية مرنة توفر الطمأنينة لجميع الأطراف.
هذا الموقف الغربي الموحّد لا يعد مجرد تعبير عن دعم معنوي لأوكرانيا، بل هو أيضًا رسالة ضمنية لروسيا مفادها أن أي تصعيد إضافي قد يواجه عقوبات قاسية أخرى. وهو ما يبرز في التأكيد على أن روسيا يجب أن تحذو حذو أوكرانيا في قبول وقف إطلاق النار إذا ما أرادت تجنب المزيد من العقوبات. الضغط على موسكو يأتي في وقت تعيش فيه العلاقات الدولية حالة من الانقسام، خصوصًا بعد القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتي أثرت على السياسات الأمريكية في مجالات التجارة والأمن. هذه القرارات أوجدت نوعًا من التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها، إذ أعرب الكثير منهم عن قلقهم من توجهات واشنطن الأحادية، وهو ما شكل دافعًا لمزيد من التنسيق بين أعضاء مجموعة السبع لتوحيد مواقفهم، سواء في ملف أوكرانيا أو في مجالات أخرى.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تطرق البيان المشترك إلى أهمية إيجاد أفق سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. هذه الإشارة ليست جديدة، لكنها تأتي في وقت حساس حيث لا تزال المنطقة تعيش على وقع الحروب والاشتباكات في غزة. البيان دعا إلى التوصل إلى حل تفاوضي يضمن التطلعات المشروعة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، مع التأكيد على أن حل الدولتين قد يكون الحل الأمثل لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة. الدول السبع الكبرى تشير بشكل غير مباشر إلى أن السلام الشامل في الشرق الأوسط ليس ممكنًا دون معالجة هذا الصراع المزمن، الذي لا يزال يشكل عقبة أمام استقرار المنطقة ككل.
إن تصريحات وزراء الخارجية في مجموعة السبع تعكس تحولًا في طريقة التفكير الاستراتيجي في الغرب تجاه ملفات الأمن العالمي. ففيما يخص أوكرانيا، يتضح أن الضغط الغربي على روسيا لن يقتصر على العقوبات الاقتصادية، بل يتضمن أيضًا تعزيز الجهود للتوصل إلى تسوية سلمية من خلال تطمينات أمنية تضمن استقرار المنطقة. أما فيما يخص فلسطين، فإن مجموعة السبع تأمل أن تكون هناك خطوات ملموسة نحو حل تفاوضي يأخذ في الاعتبار احتياجات الشعب الفلسطيني في مواجهة التوسع الإسرائيلي.
ما يمكن استخلاصه من هذه التطورات هو أن هناك تنسيقًا أكبر بين الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يسعون إلى تبني سياسات أكثر استقرارًا ومرونة في التعامل مع القضايا الدولية المعقدة.