أكد جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في خطاب سامٍ ألقاه مساء اليوم بمناسبة الذكرى الـ 26 لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، أن التنمية الاقتصادية، مهما بلغ مستواها، تبقى قاصرة إذا لم تنعكس بشكل ملموس على تحسين ظروف عيش المواطنين، في جميع المناطق والفئات.
وفي خطابه الذي حمل رسائل واضحة ومباشرة، شدد جلالته على أن رهان التنمية لا يُقاس فقط بالمؤشرات الاقتصادية أو حجم البنيات التحتية، بل بمدى تأثيرها الإيجابي على حياة الناس اليومية، وعلى مدى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، خصوصاً في المناطق التي ما تزال تعاني مظاهر الفقر والهشاشة، ولا سيما بالعالم القروي.
وقال جلالة الملك: “إن هذا الوضع لا ينسجم مع رؤيتنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا لتعزيز التنمية الاجتماعية وتحقيق العدالة المجالية. فلا مكان في مغرب اليوم ولا مغرب الغد لمغرب بسرعتين.”
وفي هذا السياق، دعا جلالته إلى إحداث نقلة نوعية وشاملة في مجال التأهيل الترابي، والانتقال من السياسات التقليدية إلى مقاربات جديدة ومندمجة، تستند إلى مفاهيم التنمية المجالية وتكريس مبادئ التضامن والعدالة، وذلك من أجل ضمان استفادة جميع المواطنين، في كل الجهات، من ثمار التقدم والتنمية دون تمييز أو إقصاء.
وفي إطار هذه الرؤية الملكية الشاملة، أعلن جلالة الملك عن توجيهه للحكومة باعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على أربع أولويات استراتيجية:
أولًا: دعم التشغيل من خلال تثمين المؤهلات الاقتصادية المحلية، وتحفيز روح المبادرة، وخلق مناخ ملائم للاستثمار على المستوى الجهوي؛
ثانيًا: تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خصوصاً في مجالي التعليم والصحة، بما يحفظ كرامة المواطن، ويعزز العدالة المجالية؛
ثالثًا: تدبير مستدام للموارد المائية عبر اعتماد حلول استباقية لمواجهة التحديات المناخية والإجهاد المائي المتزايد؛
رابعًا: إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج بما ينسجم مع الأوراش الوطنية الكبرى التي تعرفها المملكة.
ويؤكد الخطاب الملكي، مرة أخرى، أن العدالة المجالية والاجتماعية ليست خيارًا ظرفيًا، بل ركيزة أساسية في المشروع المجتمعي والتنموي الذي يقوده جلالة الملك. كما يعكس إصراره على جعل التنمية في خدمة المواطن، ويعيد توجيه بوصلة السياسات العمومية نحو مزيد من الفعالية، والإنصاف، والانخراط الجماعي في بناء مغرب منصف ومتضامن.