وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن و بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، اليوم الجمعة، خطابا ساميا إلى أعضاء البرلمان بمناسبة إفتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة.
و في ما يلي نص الخطاب الملكي السامي :
“الحمد لله، و الصلاة و السلام على مولانا رسول الله و آله و صحبه.
حضرات السيدات و السادة البرلمانيين المحترمين،
يسعدني أن أخاطبكم اليوم، في إفتتاح هذه السنة التشريعية، و من خلالكم مختلف الهيآت و المؤسسات و المواطنين، بخصوص التطورات الأخيرة لملف الصحراء المغربية، بإعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة.
لقد قلت، منذ إعتلائي العرش، أننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخليا و خارجيا، و في كل أبعاد هذا الملف.
و دعوت كذلك للإنتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، و التحلي بالحزم و الإستباقية.
و على هذا الأساس، عملنا لسنوات، بكل عزم و تأني، و برؤية واضحة، و إستعملنا كل الوسائل و الإمكانات المتاحة، للتعريف بعدالة موقف بلادنا، و بحقوقنا التاريخية و المشروعة في صحرائنا، و ذلك رغم سياق دولي صعب و معقد.
و اليوم ظهر الحق، و الحمد لله؛ و الحق يعلو و لا يعلى عليه، و القضايا العادلة تنتصر دائما.
قال تعالى : “و قل جاء الحق و زهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا”. صدق الله العظيم.
و ها هي الجمهورية الفرنسية، تعترف بسيادة المملكة على كامل تراب الصحراء، و تدعم مبادرة الحكم الذاتي، في إطار الوحدة الترابية المغربية، كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
و بهذه المناسبة، أتقدم باسمي شخصيا، و باسم الشعب المغربي، بأصدق عبارات الشكر و الإمتنان، لفرنسا و لفخامة الرئيس إيمانويل ماكرون، على هذا الدعم الصريح لمغربية الصحراء.
أن هذا التطور الإيجابي، ينتصر للحق و الشرعية، و يعترف بالحقوق التاريخية للمغرب، لاسيما أنه صدر عن دولة كبرى، عضو دائم بمجلس الأمن، و فاعل مؤثر في الساحة الدولية.
و ذلك بالإضافة إلى أن فرنسا تعرف جيدا، حقيقة و خلفيات هذا النزاع الإقليمي.
كما أنه يأتي لدعم الجهود المبذولة، في إطار الأمم المتحدة، لإرساء أسس مسار سياسي، يفضي إلى حل نهائي لهذه القضية، في إطار السيادة المغربية.
حضرات السيدات و السادة البرلمانيين،
يندرج هذا الموقف الفرنسي في إطار الدينامية الإيجابية، التي تعرفها مسألة الصحراء المغربية، و التي ترتكز على ترسيخ سيادة المغرب على ترابه، و على توسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.
و هكذا، فقد تمكنا، و الحمد لله، من كسب إعتراف دول وازنة، و دائمة العضوية في مجلس الأمن، كالولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا.
كما نعتز أيضا بمواقف الدول العربية و الإفريقية الشقيقة، التي تساند، بكل وضوح و إلتزام، الوحدة الترابية للمملكة، لاسيما تلك التي فتحت قنصليات لها في العيون و الداخلة.
و بموازاة ذلك، تحظى مبادرة الحكم الذاتي، كأساس وحيد للتوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع، في إطار سيادة المغرب، بدعم واسع من طرف عدد متزايد من الدول من مختلف جهات العالم.
و نذكر من بينها إسبانيا الصديقة، التي تعرف خبايا هذا الملف، بما يحمله موقفها من دلالات سياسية و تاريخية عميقة، إضافة إلى أغلبية دول الإتحاد الأوروبي.
و يطيب لنا أن نعبر لكل هؤلاء الأصدقاء و الشركاء، عن بالغ تقديرنا لمواقفهم المناصرة لقضية المغرب الأولى.
كما نشكر أيضا، كل الدول التي تتعامل إقتصاديا و إستثماريا، مع الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني.
و هي بذلك تواكب مسار التنمية، الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية، التي تشهدها الصحراء المغربية، و تعزز موقعها كمحور للتواصل و التبادل بين المغرب و عمقه الإفريقي.
كما تضعها في صلب المبادرات القارية الإستراتيجية، التي أطلقناها، كمشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، و مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، إضافة إلى مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.
حضرات السيدات و السادة البرلمانيين،
رغم كل ما تحقق، فإن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع، المزيد من التعبئة و اليقظة، لمواصلة تعزيز موقف بلادنا، و التعريف بعدالة قضيتنا، و التصدي لمناورات الخصوم.
و في هذا الإطار، يجب شرح أسس الموقف المغربي، للدول القليلة، التي ما زالت تسير ضد منطق الحق و التاريخ، و العمل على إقناعها، بالحجج و الأدلة القانونية و السياسية و التاريخية و الروحية، التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء.
و هو ما يقتضي تضافر جهود كل المؤسسات و الهيآت الوطنية، الرسمية و الحزبية و المدنية، و تعزيز التنسيق بينها، بما يضفي النجاعة اللازمة على أدائها و تحركاتها.
و لا يخفى عليكم، معشر البرلمانيين، الدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية و البرلمانية، في كسب المزيد من الإعتراف بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي.
لذا، ندعو إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية.
حضرات السيدات و السادة البرلمانيين،
إن ما حققناه من مكاسب، على درب طي هذا الملف، و ما تعرفه أقاليمنا الجنوبية من تنمية إقتصادية و إجتماعية، كان بفضل تضامن جميع المغاربة، وتضافر جهودهم، في سبيل ترسيخ الوحدة الوطنية و الترابية.
و لا يفوتنا هنا، أن نشيد بالجهود التي تبذلها الدبلوماسية الوطنية، و مختلف المؤسسات المعنية، وك ل القوى الحية، و جميع المغاربة الأحرار، داخل الوطن و خارجه، في الدفاع عن الحقوق المشروعة لوطنهم، و التصدي لمناورات الأعداء.
كما نعبر عن شكرنا و تقديرنا، لأبنائنا في الصحراء، على ولائهم الدائم لوطنهم، و على تشبثهم بمقدساتهم الدينية و الوطنية، و تضحياتهم في سبيل الوحدة الترابية للمملكة و إستقرارها.
و في الختام، نؤكد أن المغرب سيظل دائما حازما في موقفه، وفيا لنهج الإنفتاح على محيطه المغاربي و الجهوي، بما يساهم في تحقيق التنمية المشتركة، و الأمن و الإستقرار لشعوب المنطقة.
قال تعالى : “يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”. صدق الله العظيم.