في خضم الدماء و الأشلاء و الجثث المتناثرة في كل مكان، تبرز معاناة أخرى لا تقل فضاعة عن عمليات القتل و الإعدام التي يمارسها جنود الإحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة المحاصر، و هي أزمة الأكفان، حيث يجد أهالي الشهداء صعوبة كبيرة في توفير الأكفان لدفن ذويهم، بعد نفاذ الأكفان من المستشفيات.
و زادت حدة أزمة الأكفان بعد نفاذ البدائل التي كانت تُستعمل لتكفين جثامين الشهداء، إذ بات من شبه المستحيل في القطاع إيجاد قطعة قماش أبيض خلال الأشهر الأخيرة، لاسيما بشمال غزة، في ظل الحصار المطبق و منع دخول المساعدات منذ شهور، و هو ما يدفع أهالي الشهداء إلى الإستعانة بأي وسيلة لتغطية جثامين ذويهم قبل الدفن.
و برزت الأكياس و أغطية النوم و ستائر المنازل كأبرز البدائل المستعملة لتكفين جثامين الشهداء، إلا أنه بات من الصعب، مؤخرا، إيجاد هذه البدائل في ظل البرد الشديد الذي تعرفه المنطقة هذه الأيام، و ذلك بسبب الحاجة إليها لإنقاذ النازحين من خطر الموت بردا، و هو ما يفاقم معاناة أهالي الشهداء المكلومين بفراق ذويهم و بعدم قدرتهم على إيجاد أكفان لهم.
في هذا الصدد، تقول الصحفية الفلسطينية في قطاع غزة، يافا أبو عكر، أن أزمة الأكفان بدأت مع بداية الحرب الجارية على غزة، بسبب الأعداد الكبيرة للشهداء و الجثث الملقاة في الشوارع أو التي يتم إنتشالها من تحت أنقاض المنازل و المستشفيات المحروقة.
و أوضح المتحدث نفسه، بأن الأهالي لجؤوا إلى تكفين الشهداء بأغطية النوم أو ستائر المنازل بعد نفاذ الأكفان و أكياس الموتى، مردفة بأن كل هذه البدائل نفذت حاليا، خاصة في ظل البرد القارس الذي تعرفه القطاع، موجهة نداءً إلى العالم من أجل وقف الإبادة الجماعية.
الصحفية يافا الذي نزحت رفقة عائلتها و أبنائها من شمال غزة لأزيد من 9 مرات خلال الحرب الجارية، كشفت أنها أجرت عدة إتصالات قبل يومين من أجل إيجاد كفن لشهيد نازح من الشمال، لكن دون جدوى.
و أضافت أنها بعد صعوبة بالغة، تلقت إتصالا من زميل لها يخبرها بوجود كفن بصعوبة بالغة، لكن أثناء ذهابها للعمل بداخل السيارة، فوجئت بسيدة تبكي بحرقة و تستنجد من أجل إيجاد كفن لشقيقها الشهيد، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى منح الكفن الذي توصلت به بصعوبة، إلى السيدة المذكورة عوض الشهيد الأول.
و تشير الصحفية الفلسطينية التي تحاول بأقل الإمكانيات نقل مأساة الشعب الفلسطيني و توثيق جرائم الإحتلال، إلى أن هذه القصة تلخص مئات، بل آلاف المشاهد المؤلمة عن معاناة أهالي الشهداء في تكفين ذويهم، لافتة إلى أن مطالب الغزاويين باتت هي الحصول على الكفن فقط في ظل تواطئ و خذلان عربي و إسلامي غير مسبوق.
و تواجه وزارة الصحة في غزة صعوبات بالغة في مجاراة الأعداد اليومية من الشهداء، و توفير الأكفان لدفنهم، في ظل إنتشار الجثامين في الشوارع و تحت الأنقاض، فيما سبق لمدراء مستشفيات القطاع أن وجهوا مناشدات عاجلة من أجل توفير الأكفان، و العمل على التدخل الدولي لوقف إستهداف المستشفيات.
و كان المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، منير البرش، قد ناشد الدول العربية إرسال أكفان للشهداء إلى مستشفيات شمال غزة، مشيرا إلى أن الأكفان التي أرسلت سابقا نفدت، كاشفا أن المستشفيات تحولت إلى مقابر جماعية للشهداء في ظل القصف و الحصار الذي ترتكبه قوات الإحتلال بشكل يومي.
و قبل أيام، أعلن مدير مستشفى كمال عدوان، حسام أبو صفية، الذي إعتقلته قوات الاحتلال بعد اقتحامها المستشفى وحرقه، إن كل إمكانيات المستشفى لم تعد موجودة، وحتى الأكفان نفدت، كاشفا أن المصابين ملقون في الشوارع، و لا يجدون من ينتشلهم، واصفا ما يجري في شمال القطاع بأنه خارج استوعاب العقل البشري. شراء الفيتامينات و المكملات الغذائية
و تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية مدمرة ضد قطاع غزة المحاصر، خلفت أزيد من 150 ألف شهيد و مصاب و مفقود، وسط دمار هائل و مجاعة قتلت عشرات الأطفال و المسنين، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية العالمية، و ذلك بدعم أمريكي و غربي واسع، و صمت عربي و إسلامي غير مسبوق.