مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026، تعيش الساحة الحزبية المغربية على وقع تحركات تنظيمية لافتة، من أبرزها ما أفادت به بعض وسائل الإعلام حول دخول أزيد من مائة إطار ومناضل اتحادي، بقيادة جواد شفيق، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في مفاوضات متقدمة مع حزب التقدم والاشتراكية، بهدف الالتحاق بصفوفه في أفق تعزيز حضوره الانتخابي والتنظيمي خلال المرحلة المقبلة.
هذه الخطوة، التي لم تؤكدها بعد المصادر الرسمية من كلا الحزبين، اعتُبرت في أوساط المتابعين للشأن الحزبي دليلاً على عمق التحولات التي يعرفها “البيت الاتحادي”، والتي تجددت مع التوترات المصاحبة للزيارة الأخيرة للكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، إلى مدينة فاس. وهي زيارة وُصفت من قبل بعض الاتحاديين المحليين بأنها كشفت اتساع رقعة التباين بين القيادة المركزية وعدد من القواعد التنظيمية.
ويُجمع عدد من المهتمين بالشأن السياسي على أن حزب الاتحاد الاشتراكي فقد خلال السنوات الأخيرة جزءاً من بريقه التاريخي، لأسباب تتقاطع فيها اعتبارات داخلية وأخرى مرتبطة بالسياق العام الذي تمر به الأحزاب الوطنية. ففي حين نجحت بعض الأحزاب التقليدية في استيعاب التحولات الجارية وإعادة بناء قواعدها، لا تزال تحديات الهوية التنظيمية، والديمقراطية الداخلية، وتجديد النخب، تؤرق القواعد الاتحادية.
عوامل داخلية عديدة يُنظر إليها اليوم باعتبارها من مسببات التراجع التنظيمي والسياسي للحزب، أبرزها اتساع دائرة الانشقاقات، واستمرار مركزية القرار، وتراجع التأطير، إلى جانب ما يعتبره البعض انسلاخاً تدريجياً عن المرجعية التاريخية والفكرية، وتحالفات لا تعكس بالضرورة موقع الحزب في الخريطة السياسية. كما يسجل مراقبون حالة من الجمود في تجديد النخب، مقابل صعود أسماء لا تملك امتداداً تنظيمياً واضحاً داخل الحزب.
وعلى الرغم من هذه التحديات، لا يزال الحزب يحتفظ بتمثيلية داخل البرلمان، وإن كانت – بحسب بعض التحليلات – قائمة على مرشحين أغلبيتهم من خارج القاعدة الاتحادية التقليدية. أما في الفضاءات الحضرية الكبرى، فقد أصبح الحضور الاتحادي محدوداً، وهو ما يطرح تساؤلات جادة حول موقع الحزب في معادلات الحاضر والمستقبل.
وفي خضم هذه المعطيات، أعلنت القيادة الحزبية بشكل مفاجئ عن عقد المؤتمر الوطني الثاني عشر أيام 17 و18 و19 أكتوبر المقبل، ما أعاد النقاش حول مستقبل القيادة، وسؤال التداول داخل الحزب، الذي عرفت قيادته الحالية ثلاث ولايات متتالية، في سابقة ضمن العائلة الاشتراكية الديمقراطية.
وتشير تسريبات من داخل الكواليس التنظيمية إلى أن التحضير للمؤتمر يتم في أجواء من التكتم والانضباط الصارم، خاصة في ما يتعلق بالهندسة التنظيمية، مقابل هامش أوسع للتداول في الجوانب الفكرية والسياسية. وهي معادلة يرى بعض المتتبعين أنها لا تعكس بالضرورة رغبة في التغيير، بل قد تكرس مزيداً من الجمود، بما يحمله ذلك من مخاطر استمرار النزيف التنظيمي.
ويبقى الرهان معلقاً على ما إذا كانت هذه المرحلة ستشكل فرصة حقيقية للمراجعة، وإعادة تعريف الهوية السياسية والتنظيمية للحزب، أو مجرد محطة أخرى في مسار تآكل التدبير الداخلي، في وقت يبدو فيه أن قوى سياسية أخرى تستعد لملء الفراغ، وبناء توازنات جديدة على أبواب الانتخابات المقبلة.