في جلسة عقدتها لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، عاد الجدل مجددًا حول حرية التعبير ووضعية الصحافة في المغرب، وسط تبادل للاتهامات بين الأغلبية والمعارضة. الوزير محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، رد بشكل مباشر على الانتقادات التي وجهها نواب المعارضة، لا سيما من المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، مؤكداً أن النقاش حول حرية الصحافة لا يمكن أن يُختزل في قضايا فردية أو محاكمات منعزلة عن سياقها السياسي والقانوني.
و أكد بنسعيد أن مبدأ حرية التعبير غير قابل للنقاش، لكنه شدد في المقابل على أن هذه الحرية لا تعني الخروج عن إطار الاحترام أو استخدام السب والشتم، مشيرًا إلى أن الانتقادات الموجهة له شخصيًا كثيرة، لكنه لم يلجأ إلى القضاء، بل يكتفي بإصدار بيانات توضيحية. وأضاف: “إذا لم تُنشر هناك منابر نزيهة تقوم بنشرها”، معتبرا أن الخلافات في الرأي تفتح أبوابًا نحو الإصلاح البنّاء.
وفي ما يخص القضية المثارة بين وزير العدل والصحافي حميد المهداوي، حرص الوزير بنسعيد على توضيح أن الأمر لا يتعلق بانتقاد سياسة عمومية، بل بخلاف شخصي يخرج من إطار العمل السياسي، في محاولة لنقل النقاش من منطق “التجاذب السياسي” إلى بعد أكثر مؤسساتية.
وفي رد يحمل أبعادًا سياسية واضحة، دعا الوزير إلى مراجعة السياقات الزمنية التي تم فيها اعتقال عدد من الصحفيين الذين شملهم العفو الملكي، ملمحًا إلى أن تلك الاعتقالات وقعت خلال حكومات سابقة بقيادة حزب العدالة والتنمية. وتساءل بنبرة انتقادية: “في أي عهد حكومي تم اعتقال هؤلاء الصحافيين؟ لا تدفعونا إلى فتح هذا الملف”.
أما فيما يتعلق بتنظيم قطاع الصحافة، فقد كشف بنسعيد أن الوزارة أطلقت دعماً عمومياً جديداً للصحف وفق معايير واضحة من بينها إلزامية التوفر على بطاقة الصحافة. لكنه أشار إلى أن التنظيم الذاتي للمهنة يقتضي عدم تدخل الوزارة، معتبراً أن مثل هذه التجارب، كما هو الحال في الديمقراطيات الناشئة، تتطلب تحسينات مستمرة.
وفي السياق ذاته، لفت إلى أن المجلس الوطني للصحافة، الذي عرف إشكالات قانونية منذ انطلاقه في 2018، يعاني من أزمة شرعية ناتجة عن عدم قدرته على الدعوة إلى الانتخابات في وقتها. ومع ذلك، شدد على أن النقاش الجاري حول هذه الهيئة يظل نقاشاً داخلياً للمهنة ولا يحق للوزارة أن تحل محلها.
و في ختام حديثه، لم ينكر بنسعيد وجود امتداد سياسي داخل نقابة الصحافيين، بل اعتبره جزءاً من التاريخ المشترك بين الصحافة والسياسة في المغرب. وأكد احترامه لتوجهات المهنيين مهما اختلفت مع توجهاته السياسية، ما يعكس سعيًا لتكريس التعددية والقبول بالاختلاف داخل القطاع.
ما بين الردود السياسية والتحليلات التقنية، يتضح أن النقاش حول حرية الصحافة في المغرب لم يعد مجرد جدال حول حالات فردية، بل هو مرآة لسؤال أعمق حول التوازن بين الحقوق والواجبات، وحول حدود تدخل السلطة في مهنة يُفترض أنها مستقلة. تصريحات الوزير بنسعيد تعكس محاولات الدولة للظهور في موقع الضامن للحرية، لكن مع تحميل مسؤولية التنظيم الذاتي للمهنيين أنفسهم، في معادلة دقيقة بين الدعم وعدم التدخل.
وبينما تُنتقد الحكومة الحالية، تُعاد في الوقت نفسه قراءة إرث حكومات سابقة، في تذكير ضمني بأن مسؤولية دعم حرية التعبير ليست ظرفية ولا حزبية، بل مشروع جماعي يتطلب تواطؤًا وطنيًا حول قيم الديمقراطية والمهنية.