في دراسة حديثة لشبكة “أفروباروميتر”، برزت مفارقة لافتة في المواقف المغربية تجاه الهجرة، إذ عبّر أغلب المواطنين عن تسامح شخصي مع المهاجرين واللاجئين، في مقابل رغبة جماعية في تقليص أعدادهم داخل البلاد، ما يعكس تزاوجًا بين قيم الانفتاح الاجتماعي ومخاوف اقتصادية متنامية.
وأوضحت الدراسة أن 90 في المائة من المغاربة لم يسمعوا باتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2021، وهو ما يبرز ضعف التواصل الرسمي بشأن المبادرات القارية الكبرى وتأثيرها المحتمل على التشغيل والتنقل.
على المستوى الاجتماعي، أظهرت النتائج أن 78 في المائة من المغاربة لا يمانعون في وجود عمال أجانب في أحيائهم، و56 في المائة يتقبلون جيرانًا من اللاجئين، إلا أن هذا التسامح لا ينعكس على المواقف السياسية العامة، إذ يفضل 51 في المائة تقليص عدد طالبي اللجوء، و45 في المائة تقليل أعداد العمال الأجانب، في حين يدعم 9 في المائة منع دخول اللاجئين نهائيًا.
كما بينت الدراسة أن الشباب والطبقات الميسورة وأصحاب العمل المستقرين هم الأكثر تسامحًا، في حين تقل نسب القبول بين النساء وسكان الأرياف وكبار السن، وهو ما يُفسَّر بارتباط الانفتاح بدرجة الاستقرار الاقتصادي، مقابل نزوع الانغلاق في حالات الفقر والبطالة.
ومن المعطيات المثيرة للقلق أن 44 في المائة من المغاربة فكروا في الهجرة إلى الخارج، وهي نسبة ترتفع إلى 64 في المائة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا، مقابل 19 في المائة فقط بين من تجاوزوا الخامسة والخمسين. وتبقى أوروبا الوجهة المفضلة بنسبة 58 في المائة، تليها أمريكا الشمالية (27 في المائة)، بينما لا تتجاوز نسبة الراغبين في الهجرة داخل إفريقيا 2 في المائة فقط.
وترى الدراسة أن الهجرة بالنسبة للشباب المتعلم والطموح ليست مجرد بحث عن فرص عمل، بل تعبير عن أزمة أفق داخلية، إذ يشعر كثيرون بغياب العدالة الاجتماعية وضيق آفاق المستقبل.
ورغم الجهود التي بذلها المغرب خلال العقد الأخير في إرساء منظومة قانونية متقدمة للهجرة، عبر برامج تسوية أوضاع المهاجرين (2014 و2017) والمشاركة في المبادرات الإفريقية والأممية، إلا أن التحدي الأكبر يظل في التطبيق، خاصة في ما يتعلق بالإدماج الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين واللاجئين.
وأشارت الدراسة إلى أن المغرب يحتضن نحو 19 ألف لاجئ وطالب لجوء، غير أن إدماجهم في سوق العمل لا يزال محدودًا، فيما تواجه الدولة صعوبات في محاربة الاتجار بالبشر وإدارة النزوح الداخلي الناتج عن الكوارث البيئية.
وفي ختام التقرير، أكدت “أفروباروميتر” أن المشهد المغربي للهجرة يجسد محاولة للتوفيق بين الانفتاح الإقليمي والحذر الداخلي، وأن استمرار هذه المفارقة سيجعل من قضايا الهجرة، بتعقيداتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أحد أبرز التحديات التي سيواجهها المغرب خلال العقد المقبل.