في كلمة ألقاها أمام مجلس المستشارين يوم الثلاثاء 15 يوليوز 2025، قدم رئيس الحكومة المغربية عرضاً شاملاً حول الحصيلة الاقتصادية والمالية للمملكة، مركزاً على أثرها المباشر في تحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل. وأكد في مستهل كلمته أن الجهود الحكومية تندرج ضمن المسار التنموي الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مبرزاً أن طموح المغرب هو بناء اقتصاد حديث ومتطور يزاوج بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
استعرض رئيس الحكومة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تمر بها البلاد عند بداية الولاية الحكومية الحالية، مشيراً إلى أن الاقتصاد الوطني شهد انكماشاً بنسبة 7,2% سنة 2020، وخسر سوق الشغل حينها 432 ألف منصب. كما تفاقم عجز الميزانية ليصل إلى 7,1% من الناتج الداخلي الخام، وارتفع معدل المديونية إلى أكثر من 72%. وقد اضطرت الحكومة حينها إلى استعمال خط الوقاية والسيولة لمواجهة تداعيات جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى فقدان تصنيف الاستثمار من طرف وكالات التصنيف الدولية. كما أشار إلى أن ميثاق الاستثمار ظل يراوح مكانه لمدة عقدين تقريباً، حيث لم تتم المصادقة سوى على 386 مشروعاً استثمارياً بين 2012 و2021.
وأوضح رئيس الحكومة أن هذه الولاية انطلقت في سياق دولي يتسم بتحديات كبيرة بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، تصاعد المخاطر المناخية، واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية. وقد أدى هذا الوضع إلى ارتفاع معدلات التضخم، حيث بلغ متوسط 6,6% سنة 2022 و6,1% سنة 2023، مع تسجيل ذروة تضخم بلغت 10,1% في فبراير. كما أدى توالي سنوات الجفاف إلى تراجع القيمة المضافة الفلاحية وفقدان أكثر من 417 ألف منصب شغل في القطاع الفلاحي بين سنتي 2022 و2023.
ورداً على هذه التحديات، أبرز رئيس الحكومة أن المغرب اعتمد سياسة اقتصادية واجتماعية شاملة، مكنت من تحقيق إصلاحات هيكلية واستثنائية. فقد ارتفع حجم الاستثمار العمومي من 230 مليار درهم سنة 2021 إلى 340 مليار درهم سنة 2025، وهو ما ساهم في إطلاق مشاريع كبرى وخلق جيل جديد من الاستثمارات الخاصة ذات القيمة المضافة العالية. وتم إخراج ميثاق استثماري جديد يوفر منحاً لدعم إحداث مناصب الشغل، ومنحاً قطاعية موجهة للقطاعات الواعدة كصناعة البطاريات والسيارات والطاقات النظيفة، ومنحاً ترابية لتشجيع العدالة المجالية.
وأشار رئيس الحكومة إلى المصادقة على أغلب النصوص التنظيمية لتفعيل هذا الميثاق، خاصة المرسوم الخاص بدعم المقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة، التي تمثل أكثر من 80% من مناصب الشغل في القطاع المهيكل. ويمكّن هذا النظام من تقديم منح لتحفيز خلق مناصب شغل قارة، بالإضافة إلى دعم خاص بالمقاولات التي تستثمر في المناطق الأقل استفادة.
وأكد رئيس الحكومة أن الحكومة أطلقت خارطة طريق لتحسين مناخ الأعمال، وتفعيل استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” لدعم رقمنة المقاولات وتحفيز تشغيل الشباب في قطاع التكنولوجيا. كما عملت على تنفيذ خارطة الطريق للقطاع السياحي 2023-2026، بهدف استقطاب 17,5 مليون سائح وتحقيق مداخيل بالعملة الصعبة تصل إلى 120 مليار درهم، مع خلق 200 ألف منصب شغل.
وفي ما يتعلق بالمشاريع الكبرى، أوضح رئيس الحكومة أن الحكومة ضاعفت الجهود لضمان الأمن المائي والغذائي، عبر الرفع من وتيرة تنفيذ البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي بميزانية 18 مليار درهم سنة 2025. كما أكد تسريع تنمية الطاقات المتجددة وإطلاق خارطة طريق للهيدروجين الأخضر.
وفي سياق مكافحة البطالة، أوضح رئيس الحكومة أن الحكومة أطلقت خارطة طريق لتنفيذ سياستها في مجال التشغيل، ترمي إلى خفض معدل البطالة إلى 9% وخلق 1,45 مليون منصب شغل في أفق 2030. وتم تخصيص 14 مليار درهم لهذا الغرض في قانون المالية 2025، موزعة بين تحفيز الاستثمار، الحفاظ على المناصب في القطاع الفلاحي، وتحسين البرامج النشيطة للتشغيل. وشدد على أن هذه السياسة تولي عناية خاصة للفئات الهشة، من خلال إدماج غير الحاصلين على شهادات وتوسيع التكوين بالتدرج ليشمل 100 ألف مستفيد.
وفي الجانب الاجتماعي، أشار رئيس الحكومة إلى الجهود المبذولة لضبط معدل التضخم، حيث تم تخصيص 88,2 مليار درهم لدعم المواد الأساسية بين 2022 و2024، منها 53,6 مليار درهم لدعم غاز البوتان، و17,5 مليار درهم لدعم السكر، و16,8 مليار درهم لدعم الدقيق والقمح اللين. كما تم تخصيص 8,6 مليار درهم لدعم مهنيي النقل، و20 مليار درهم لدعم القطاع الفلاحي في مواجهة آثار الجفاف. وشمل ذلك أيضاً إعفاءات ضريبية وتسهيلات على استيراد بعض المنتجات الحيوانية والفلاحية، إلى جانب دعم المكتب الوطني للماء والكهرباء بميزانية 17 مليار درهم لضبط فاتورة الكهرباء.
وفي إطار الدولة الاجتماعية، أوضح رئيس الحكومة أن الحكومة حرصت على تعميم الحماية الاجتماعية، حيث ارتفعت نسبة المغاربة المشمولين بالتأمين الإجباري عن المرض من 42,2% إلى 88% حالياً، ويستفيد من ذلك أكثر من 11,4 مليون شخص من ذوي الدخل المحدود. وتكلفت الحكومة بأداء واجبات الاشتراك لفائدة هذه الفئة بما يناهز 9,5 مليارات درهم سنوياً. كما بلغ عدد الأسر المستفيدة من الدعم الاجتماعي المباشر حوالي 4 ملايين أسرة، تضم 12 مليون مستفيد، منهم 5,5 ملايين طفل وأزيد من مليون شخص تفوق أعمارهم 60 سنة.
وعلى صعيد الاقتصاد الكلي، سجل الناتج الداخلي الخام نمواً بنسبة 3,8% سنة 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 4,6% في نهاية 2025، مدعوماً بنمو الأنشطة غير الفلاحية بنسبة 4,5%. وارتفعت عائدات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 43,2 مليار درهم سنة 2024، مقابل 26,3 مليار درهم سنة 2020، فيما بلغت احتياطيات العملة الصعبة حوالي 402 مليار درهم، تغطي أكثر من خمسة أشهر من الواردات. وانخفض معدل التضخم إلى أقل من 1% في نهاية 2024 بعد أن كان في مستويات مرتفعة خلال السنوات السابقة. كما تم إحداث حوالي 351 ألف منصب شغل في الأنشطة غير الفلاحية خلال الفصل الأول من 2025، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف ما تم تحقيقه في نفس الفترة من سنة 2024.
وعلى مستوى المالية العمومية، أوضح رئيس الحكومة أن الحكومة تواصل إصلاح المنظومة الجبائية تنفيذاً للقانون الإطار 69.19، بما يضمن تحقيق العدالة الجبائية وتحفيز الاستثمار. وشمل الإصلاح توحيد أسعار الضريبة على الشركات وتدريجياً إصلاح الضريبة على القيمة المضافة.
وفي ختام كلمته، أكد رئيس الحكومة أن المغرب يواصل السير بثبات نحو ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، رغم الإكراهات والصعوبات التي فرضتها الأوضاع الدولية والظروف المناخية، مع الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى.