صناعة “الرابوز” بتنغير تواجه احتدام المنافسة وضعف التسويق

0

 

ما إن تطأ قدمك مركز مدينة تنغير حتى تعلن لك هويتها بقوة، إذ تقابلك العشرات من الحرف المرتبطة بالصناعة التقليدية، داخل أوراش صغيرة، يعتكف بها حرفيون تختلف أعمارهم بشكل ملحوظ، منكبين جميعا على العمل، ويقابلونك بحفاوة وحسن ضيافة.

هنا، في أحضان مركز مدينة تنغير، توارث أهل المنطقة مهنا وحرفا تعد جزءا من التراث الأصيل لمنطقة تودغى، حيث العديد من المحلات التي تتميز بصناعة “الرابوز”، وهي أبرز الصناعات التقليدية التي مازالت تحتفظ ببريقها الخاص. فـ”الرابوز” الذي له عشاقه يعود إلى زمن بعيد، أيام تواجد اليهود بالمنطقة، وانتقلت صناعته إلى الأجداد وأورثوها للأبناء، لتبدع أنامل الفنانين منهم أجمل الفنون الزخرفية على أحد أهم المشغولات اليدوية.

- الحدث بريس-

- الحدث بريس-

- الحدث بريس-

صناعة “الرابوز” كانت ولازالت من أبرز الحرف التي يحرص عدد كبير من أبناء تودغى على الحفاظ عليها، على اعتبارها أنها موروث ثقافي وهوياتي للمنطقة يتعين تثمينه والمحافظة عليه ونقله للأجيال القادمة، خصوصا في ظل وجود العديد من العوامل التي من شأنها التأثير على زوال هذا الفن العريق .

 

أدوات العمل

يعتمد الحرفيون في صناعة “الرابوز” على أدوات تقليدية ضمن وسائل الإنتاج، كالمطرقة والسندان، والجلد، والمنشار، والتمر، والصباغة، وخشب الصنوبر.

وفي هذا الإطار أوضح حسن حطوشي، أحد الحرفيين القدامى بتنغير، والذي تعلم أسرار هذه المهنة من والده، أن الحرفيين في ثمانينيات القرن الماضي كانوا يشتغلون على “الموديلات” القديمة، أي على أشكال بسيطة في صنعها، وأضاف أن الحرفيين الحاليين يبدعون في صنع “الروابز” بهندسيات مختلفة، وهي عبارة عن مجموعة من العلامات والمربعات والمستطيلات، كل من شاهدها يظن أنها لوحة فنية.

زخرفة في تطور

حرفيو “الرابوز” بمدينة تنغير اتجهوا إلى عوالم جديدة بعيدة عن رسم الأشخاص، وبعيدة أيضا عن محاكاة الطبيعة، وهنا ظهرت عبقريتهم وتجلى إبداعهم، وعمل خيالهم، وحسهم المرهف، وذوقهم الأصيل، فكان من هذه العوالم عالم الزخرفة على صناعتهم العريقة.

اتخذت الزخرفة على منتج “الرابوز” خصائص مميزة، كان لها عظيم الأثر في إبراز المظهر الحضاري لنهضة أبناء تودغى واليهود القدماء، وازدهرت بدرجة عالية، سواء من حيث تصميمها أو من حيث موضوعاتها وأساليبها.

واستخدم الحرفيون خطوطا زخرفية رائعة المظهر والتكوين، وجعلوا من المجموعات الزخرفية نماذج انطلق فيها خيالهم إلى اللانهاية والتكرار والتجدد والتناوب والتشابك، وابتكروا عدة أشكال زخرفية تجذب عشاق المهنة.

ومن بين الزخارف التي أبدعت أنامل الحرفيين في رسمها على منتجاتهم تلك النجمة الخماسية، التي ترمز إلى أركان الإسلام الخمسة، وأشكال أخرى لها علاقة بزمن اليهود وتعايشهم وسط مجتمع مسلم، يسوده الاحترام والتسامح.

كما أن اللون الأكثر استعمالا في صباغة “الروابز” بتنغير هو الأحمر؛ وتم تفسير ذلك الأمر من طرف حطوشي بأن هذا اللون “يرمز إلى الدم والى الشهداء الذين قدموا الكثير واستشهدوا في سبيل الوطن ووحدته الترابية والدفاع عن المقدسات”، مضيفا أن أثمان “الروابز” بتنغير تنطلق من 20 درهما إلى 5000 درهم، حسب الشكل والنوع المطلوب لدى الزبون.

التسويق والمنافسة

أضحت صناعة “الرابوز” تعاني جملة من المشاكل، أبرزها عدم الاهتمام بها بشكل كبير في الفترة الأخيرة، ما أدى تحول الكثيرين إلى مهن أخرى، لقلة الربح، وساهم في تغيير نشاط كثير من الأوراش الكبيرة التي كانت تتخصص في هذه المهنة، بالإضافة إلى قلة صبر الأجيال الجديدة التي لا تعرف قيمة ذلك الفن الرفيع. أضف إلى ذلك استيراد منتجات صينية، تعتمد على الشكل الخارجي فقط، فألوانها تمحى بعد فترة قصيرة من الزمن، وجودتها ضعيفة جدا، لكن أثمانها الرخيصة تجعل الكثيرين يقبلون عليها، ما أدى إلى إضعاف هذه الحرفة بصورة كبيرة وهددها بالانقراض.

وتواجه صناعة “الرابوز” المحلي عدة إكراهات، من قلة فرص التسويق إلى المنافسة التي أضحت تفرضها التكنولوجيا الحديثة، وكذا عزوف أبناء الحرفيين عن الاستمرار في ممارسة الحرفة، فقط كبار السن هم من لازالوا متشبثين بها.

وفي هذا الإطار يؤكد حسن حطوشي أنه غالبا ما يتم توجيه المنتوج المحلي للأسواق في المدن الأخرى والمجاورة، بناء على الطلبات التي يتوصلون بها من حين إلى آخر.

غلاء المادة الأولية

أجمع أغلب الحرفيين على أن غلاء المادة الأولية، التي يتم اقتناؤها من مدينة الدار البيضاء، كثيرا ما يقف حجر عثرة في وجههم، ورغم ذلك فأغلبهم يقاومون من أجل الحفاظ على هذه الحرفة، ليس بدافع جني المال وتحقيق الربح السريع.

وينشط الحرفيون في دائرة مغلقة مملوءة بالنقائص من أجل الحفاظ على هذه الحرفة التي أحبوها رغم غياب دعم الجهات الوصية، التي يفترض أن تقف إلى جنب الحرفي، لتوفر له، على الأقل، مقر عمل مريح، وفضاءات لتشجيعه على توسيع نشاطه الذي بات رهين بعض المناسبات.

ويتراوح ثمن المادة الأولية التي يتم اقتناؤها من مدينة الدار البيضاء، والمستوردة من الخارج، ما بين 20 و35 درهما للقطعة الواحدة.

عقود من العطاء

استطاع الحرفي حسن حطوشي، البالغ من العمر 50 سنة، والذي زارته هسبريس في محله المخصص لصناعة “الروابز”، استقطاب اهتمام عشاق هذا النوع من الصناعات التقليدية، التي تعتبر إرثا مميزا وعريقا.

حطوشي تعلم هذه المهنة منذ نعومة أظافره من والده، واستطاع بفضل سنوات من العطاء والإبداع أن يحصل على شهرة كبيرة في صناعة “الرابوز” على مستوى جهة درعة تافيلالت.

يقول حسن حطوشي، في حديثه لجريدة هسبريس: “نحن عائلة توارثت هذه الحرفة أبا عن جد”، مشيرا إلى أنه الوحيد من بين إخوته الذي بدأ هذه الحرفة في سن مبكر، وزاد: “منذ أن كنت ابن السادسة عشرة وأنا أجالس والدي الذي علمني أصول وقواعد هذه الحرفة وأعطاني الدعم الكامل، كما ساعدني على تشغيل كل حواسي، وكل ما أتمناه أن أكون في مستوى ثقته وعمله، لأنه كان مبدعا في هذا المجال بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.

وأضاف حطوشي أن هذه الصناعة تعرف تراجعا كبيرا، بسبب تراجع عدد الحرفيين المعروفين بها بشكل كبير، مذكرا بأنه في الثمانينيات من القرن الماضي كان العدد يتعدى خمسين حرفيا، أما اليوم فأصبح محدودا في خمسة عشر فقط.

ونبه حطوشي إلى أهمية تواصل الشباب مع ماضيهم والتمسك بهويتهم والالتفات إلى حرف الآباء والأجداد المتميزة والبديعة، والتي كانت هي الأساس في ما نشهده اليوم من تطور وحضارة، مستدركا بأن العمل الحرفي يتطلب ممارسة جادة وعملا دؤوبا وحبا وتفانيا للحفاظ عليه وتطويره وإيصاله للأجيال القادمة .

وحسب الحرفي ذاته فإن صناعة “الرابوز” تشكل مهنة موسمية، وغالبا ما يتم الإقبال عليها في المناسبات الدينية، وخاصة عيد الأضحى، كما أن بعض المؤسسات السياحية بالجهة تقبل على اقتناء هذا المنتج لتأثيث فضاءاتها .

“الرابوز” السفير

حول أهمية صناعة “الرابوز” في الترويج السياحي كشف لحسن فاتحي، مدير المجلس الإقليمي للسياحة بتنغير، أن هذه الصناعة تعتبر من التراث الثقافي والسياحي للمنطقة، خصوصا أن لـ”الرابوز” حمولة ثقافية محلية، كما يعتبر سفير التراث المحلي، مذكرا بأن العديد من الفعاليات تتخذه كرمز للمنطقة وتراثها في ما يخص الحرف.

وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن هذه الصناعة تعرف نشاطا كبيرا، خصوصا قبيل عيد الأضحى وبعض المناسبات الدينية، مشيرا إلى أن “الرابوز” لا يفارق جل البيوت والأسر، وتعتمده بعض المؤسسات السياحية في الإشهار والتعريف بهذا التراث المحلي الفريد من نوعه .

محمد ايت حساين من تنغير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.